قلنا : إن أردت بالبلوغ نفسه اخترنا الشقّ الثاني ، ونمنع لزوم التكليف بالمحال على تقديره ، لأنّه إنّما يلزم إذا وجب عليه إيجاد الفعل المقيّد بالزمن اللاحق على تقدير عدم بلوغه إليه ، وهو غير لازم من عدم اشتراطه بنفس البلوغ . وإن أردت بالبلوغ ما يتناول بعض الاعتبارات اللاحقة بالقياس إليه ككونه ممّن يبلغ الزمن اللاحق منعنا توقّف الوجوب على سبق البلوغ أو مقارنته له ، بل يكفي مجرّد حصوله ولو في الزمن اللاحق . فيرجع الحاصل إلى أنّ المكلَّف يجب عليه الفعل قبل البلوغ إلى وقته على تقدير بلوغه إليه ، فيكون البلوغ كاشفا عن سبق الوجوب واقعا ، وعدمه كاشفا عن عدمه كذلك ، لا أن يكون سببا . والفرق بين كاشفيّة البلوغ عن سبق الوجوب وبين سببيّته له أمر متعقّل لا يرتاب في تعقّله ذو عقل ، بل ولا في وقوعه ، وتحقّقه في العرف والشرع كثير في الأوامر والمعاملات من العقود والإيقاعات ، كالوصيّة ، والعقود الفضوليّة ، والتوكيل ، والنذر ، والظهار ، والمكاتبة ، والتدبير ، وغير ذلك ممّا اتّفقوا على صحّة التعليق فيه . ودعوى أنّها مخرجة عن الإنشاء إلى الإخبار والإعلام بها يبعده أنّها إن كانت إخبارا عن تحقّق الإنشاء في السابق فخلاف المفروض ، وإن كانت إخبارا عن تحقّقه في اللاحق فمضافا إلى أنّه أيضا خلاف المفروض هو مجرّد وعد يحتمل البداء وفسخ العزم ، فكيف يؤثّر أثر الإنشاء فعلا من اللزوم والالتزام ؟ ! والحاصل : أنّ استحالة تعقّل التعليق في الإنشاء ممنوعة . بما يرجع حلَّا : إلى الوجدان المعتضد بأصالة الإمكان وظهور الأمر المعلَّق في الإنشاء لا الإخبار . ونقضا : إلى أنّه لو كان التكليف المشروط من باب الإعلام والإخبار عن