وثالثا : بعدم بناء الشارع في المعاملات على الجعل ، مضافا إلى أنّ المعاطاة وإن كانت أمرا عرفيّا لكنّها موضوع مستنبط يتعلَّق عليها أحكام الشرع ، وتحصيل هذا الموضوع ليس من الأمور التعبّدية شرعا أو عرفا ، بل للشخص تحصيل كيفيّته بحسب عمل نفسه وعمل غيره . ولا ريب أنّ من راجع نفسه في معاملة المعاطاة رأى أنّه لم يقصد بفعله عند التعاطي سوى التمليك والتملَّك . فتلخّص بكلّ واحد من تلك الوجوه الخمسة تشخيص كون المقصود من المعاطاة التمليك والتملَّك . وإن أبيت فلا أقلّ من إفادة تراكمها الظنّ باعتبار التمليك . ومن المعلوم المقرّر في محلَّه كفاية مطلق الظنّ في الموضوعات المستنبطة . نعم ، الذي يوهم إرادة الإباحة في محلّ النزاع من المعاطاة أمران : أحدهما : تعليل غير واحد من القائلين بفساد المعاطاة : بأنّه ليس بيعا ؛ نظرا إلى أنّ صحّة السلب من علائم المجاز ، كما أنّ عدمها من علائم الحقيقة . ويدفعه : أنّه وإن كان بملاحظة نفسه ظاهر في إرادة نفي الماهيّة إلَّا أنّه بملاحظة أظهريّة كلماتهم الأخر ، بل وبعض تصريحاتهم محمول على إرادة نفي اللزوم . وثانيهما : اتّفاقهم - ظاهرا - على أنّ المعاطاة إن صحّت فلا تفيد سوى الإباحة ، فصحّة حمل الإباحة عليها أمارة حقيقيّة فيها ، كما أنّ عدم صحّة الحمل أمارة عدم الحقيقة ، فمع قصد الملك وعدم الإباحة لا منشأ لإباحة التصرّف ، إذ الإباحة إن كانت من المالك فالمفروض أنّه لم يصدر منه إلَّا التمليك ، وإن كانت من الشارع فالمفروض : أوّلا : عدم الدليل عليه شرعا ، بل وعدم إشعار كلامهم بالاستناد إليه .