هو إذا لم يقترن بالكلام حين التكلَّم به ما يوجب الظنّ بعدم إرادة الحقيقة ، أي : لم يقترن به ما يظنّ بصارفيّته عن الحقيقة ، بل ولا بما يشكّ في قرينيته وصارفيّته عنه . وممّا لا شكّ فيه أنّ تقدّم طلب بعض أفراد الماهية ، أو الجمع المحلَّى على طلب الطلب باللفظ الدالّ على الماهية ، أو بالجميع ممّا يظنّ معه إرادة الأفراد المتقدّمة ، ولا أقلّ عن صلاحية كونه قرينة لإرادتها . وعلى هذا فتلك الآية في سورة المائدة - على ما ذكره المفسرون - آخر السور المنزلة في أواخر عهد النبيّ صلى الله عليه وآله . ولا شكّ أنّ قبل نزولها قد علم من الشارع وجوب الوفاء بطائفة جمّة من العقود ، كالعقود الَّتي بين الله سبحانه وبين عباده من الإيمان به وبرسله وكتبه ، والإتيان بالصلاة والصيام والزكاة والحجّ والجهاد وغيرها ، بل بعض العقود الَّتي بين الناس بعضهم مع بعض ، كالبيع والنكاح والإجارة والرهن وأمثالها . وتقدّم طلب الوفاء بتلك العقود يورث الظنّ لإرادتها من قوله * ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) * خاصّة ، أو يصلح قرينة لإرادتها ، فلا يمكن التمسّك بأصالة الحقيقة في إرادة جميع الأفراد . مضافا إلى أنّ قوله تعالى * ( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعامِ ) * . . إلى أخره تفصيل لبعض العقود أيضا ، كما مرّ في كلام بعض المفسّرين ، وهذا أيضا ما يضعف الحمل على العموم . وثانيهما : أنّه إذا ورد أمر بطلب ما لم يسبق طلبه فهو للتأسيس ، وإن ورد بطلب ما سبق طلبه أوّلا فهو للتأكيد ، وإن ورد أمر بطلب عامّ سبق بعض أفراده وتأخّر بعض أفراده الآخر وجب أن يحمل على التخصيص بما طلب أوّلا حتّى يكون تأكيدا ، أو بغيره حتى يكون تأسيسا . وأمّا حمله على العموم فيكون تأسيسا وتأكيدا معا فغير جائز ، كما في استعمال المشترك في معنييه ؛ لأنّ كلّ ما يدلّ على عدم جوازه يدلّ على جوازه أيضا . ولا شكّ أنّه كان وجوب الوفاء