فنقول : قال الله تعالى في مفتتح سورة المائدة آخر السور المنزلة * ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) * [1] الآية وتشخيص مدلولها في ضمن مراحل : أمّا المرحلة الأولى : ففي تشخيص مدلول العقد لغة وعرفا . أمّا لغة فهو وإن استعمل في معاني عديدة - كما عن القاموس [2] والصحاح [3] العقد : عقد الحبل ، والبيع ، وعقد يعقده شدّه ، وعنقه إليه لجأ ، والحاسب حسب ، والعقد : الضمان والعهد والجمل الموثّق . وفي معنى العهد : العهد الوصيّة ، والتقدّم إلى المرء في الشيء والموثق ، واليمين ، والحفاظ ، ورعاية الحرمة ، والأمان ، والذمّة والالتقاء ، والمعرفة - إلَّا أنّ قاعدة أصالة عدم الاشتراك وأولويّة المجاز منه تقتضي كونه حقيقة في أحدها ، ومجازا في الباقي . وغلبة مراعاتهم الترتيب بتقديم المعنى الحقيقيّ على غيره في التعداد والذكر تقتضي تعيين مجازيّة العقد في ما عدا الشدّ والوصل ، وحقيقة في معنى الشدّ والوصل ، سواء كان حسّيّا كشدّ الحبل ووصله ، أم غير حسّيّ كالعهد المشدّد بين اثنين ، فكلّ عقد عهد ، ولا عكس ، لعدم لزوم الشدّة والاثنينيّة . وقاعدة أصالة الحقيقة - مضافا إلى تفسير أكثر المفسّرين والفقهاء - تقتضي تعيين إرادة مطلق العقود ، فإنّها باعتبار المعقود والعاقد ثلاثة أضرب : عقد بين الله وبين عباده ، وهو إلزامهم بالتكاليف : من الإيمان به وملائكته وكتبه ورسله وأوصياء رسله ، وتحليل حلاله ، وتحريم حرامه ، والإتيان بفرائضه وسننه ، ورعاية حدوده وأوامره ونواهيه . وعقد بين الله ونفسه ، كالنذر واليمين . وعقد بينه وبين غيره من البشر ، كعقود الأمانات والمعاملات الغير