إسم الكتاب : التعليقة على المكاسب ( عدد الصفحات : 535)
يلاحظوا فيما استؤجروا عليه من هذه الواجبات قصد النيابة والتنزيل المذكور ، ولم يجعلوا الأجرة في مقابل النيابة بهذا المعنى أصلا ورأسا ، بل إمّا يعملون الواجبات المذكورة بقصد القربة لا غير مع الإغماض عن قصد النيابة وما بإزاء الأجرة ، كما في قارئ التعزية وغاسل الأموات ومقيم الجمعة والجماعة ، وإمّا يعملونها بقصد القربة على وجه الهديّة أو الصدقة بثوابها عن المنوب عنه ، كالتلاوة والقراءة وصلاة الوحشة عن الميّت ، أو لأجل إبراء ما في ذمّة المنوب عنه من القضاء ، أو إسقاط ما في ذمّة الأجير أو المؤجر من الأداء ، وإمّا لأجل استحقاق الأجرة وفي إزاء الأجرة . أمّا صحّة ما عدا الوجه الأخير فواضح . وأمّا الوجه الأخير فلا بدّ في تصحيحها إمّا من ضمّ الأجرة على وجه التبعيّة للإخلاص ، لا العكس ، ولا فرض كلّ منهما علَّة تامّة وغاية مستقلَّة للعمل ، وإمّا من جعل الأجرة في مقابل إحداث داعي التقرّب والإخلاص ، وهو غير نفس التقرّب والإخلاص المصحّح للعمل ، بل هو من مقدّماته التوصّليّة القابلة لمقابلة الأجرة وعدم توقّفه على القربة ، وفائدته عائدة أيضا إلى نفس المؤجر والمنوب عنه ، فلا مانع من الأجرة . فعلم ممّا ذكرنا أنّ تصحيح عبادة الأجراء لا ينحصر فيما ذكره المصنّف ، من جعل الأجير نفسه نازلا منزلة المنوب عنه في العمل المتقرّب به إلى الله ، بل قد يحصل بالإغماض عن الأجرة رأسا ، أو اعتبارها مستقلَّا ، أو جعلها في مقابل إحداث داعي القربة لا نفس القربة المانعة الجمع مع الأجرة . وأنّ التصحيح بهذا الوجه لا يختصّ بعبادة الأجراء ، بل يعمّ تصحيح الأجرة على جميع الواجبات التي هي محلّ الكلام ، وهي ما يتصوّر فيه نفع راجع إلى المؤجر والمنوب عنه ، ولو كان واجبا عينيّا تعيينا . وأمّا ما لا يرجع نفعه إلَّا إلى عامله - كالصلاة والصوم عن نفسه - فهو خارج عن محلّ الكلام ، لا يجوز أخذ الأجرة عليه ، لعدم وصول