الجزئية لم تكن على أساس الوحي ، بل كانت باجتهاد منه ( صلى الله عليه وآله ) ! وإليك نصّ ما قال : ( جاء الرسول ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة فوجدهم يتبايعون في الثمار قبل نضجها وبُدُوِّ صلاحها دون تضرر ونزاع فأباحها لهم في ظل الإسلام ، ثم بدأ المتعاملون بها يتنازعون وتكثر شكواهم لثمرة أصابها مرض . . . وجاؤوا للرسول ( صلى الله عليه وآله ) يتحاكمون إليه ، فغير رأيه الأول بناء على هذا وقال لهم : ( أما وقد تنازعتم فلا تبيعوا الثمر قبل ظهور صلاحه ونضجه ) ومنع بذلك بيع الثمر قبل ظهور صلاحه ، حتى لا يتعلل المشتري بما طرأ عليه من تلف ليرجع في الصفقة أو ينقص له البائع من ثمنها الذي تبايعا عليه . . . ومعنى ذلك بوضوح أن أحكام الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في مثل هذه الأمور الجزئية لم تكن على أساس وحي من اللّه نزل عليه خاص بهذه الجزئية ، بل كانت باجتهاد منه وتقدير للمصلحة على ضوء الظروف التي أمامه ) إلى آخره . أقول : أولا ، لماذا لا يكون مثل هذا من النسخ ؟ وأن الحكم الأول قد نسخ بالثاني ، ونسخ الحكم لا مانع من وقوعه إذا وقع في عصر الرسالة ، وإلا فهل يقول أحد بجواز العمل بالحكم الأول إذا اقتضى اجتهاد المجتهد ذلك ، ولا يراه من الإجتهاد في مقابل النص ؟ وثانياً : لقائل أن يقول : ما كان عليه أهل المدينة من التبايع في الثمار قبل نضجها وبُدُوِّ صلاحها لم يكن من الأحكام الشرعية الموحى بها إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، بل كان المجتمع في هذه القوانين والعادات التي كان ملتزماً بها قبل بزوغ شمس النبوة الخاتمة باقياً على حاله ،