( د ) عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : سألت جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن الرجل ، استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام مسمى ، ثم آجرها وشرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقل من ذلك أو أكثر وله في الأرض بعد ذلك فضل ، أيصلح له ذلك ؟ قال نعم ، إذا حفر لهم نهراً أو عمل شيئاً يعينهم بذلك ، فله ذلك [1] . . قال : وسألته عن الرجل استأجر أرضاً من
[1] وتوضيح هذا النص : أن الشخص إذا كان قد استأجر أرضاً بمئة درهم ، ودفعها إلى زارع ليزرعها إلى أساس المشاركة في الناتج بنسبة مئوية ولنفرضها النصف ، وزاد النصف على مئة درهم ، لم يجز للمستأجر أن يأخذ الزيادة ما لم ينفق عملا في الأرض كحفر النهر ونحوه . وقد لاحظ كثير من الفقهاء : أن هذا النص يؤدي إلى الغاء الفرق بين المزارعة والإجارة . فكما لا يجوز للمستأجر إيجار الأرض بأقل والاستفادة من الفارق بين المزارعة والإجارة . فكذلك لا يجوز له - بموجب هذا النص - أن يحصل على الفارق نتيجة لعقد مزارعة أيضاً . ولأجل ذلك كان هذا النص يتعارض في رأيهم ، مع النصين السابقين ، إذا أكدا على الفرق بين المزارعة والإجارة ، وأن الفارق الناتج عن تفاوت أجرتين لا يجوز بغير عمل . وأما الفارق الناتج عن تفاوت نسبتين مئويتين في مزارعتين فهو جائز . ولكن الواقع هو أن النصوص متسقة ، ولا تناقض بينها . وتوضيح ذلك بأساليب البحث الفقهي : أن النصين السابقين يعالجان ناحية معينة ، وهي التفاوت بين اتفاق المستأجر مع المالك واتفاقه مع عامله ، والبحث الذي يحصل عليه المستأجر الوسيط بين المالك والعامل المباشر نتيجة لهذا التفاوت . ومعالجة النصين لهذه الناحية هي : أن الربح الذي يحصل عليه الشخص الوسيط بين مالك الأرض والعامل المباشر فيها كان نتيجة للتفاوت بين مزارعتين ، فهو مشروع ولو لم يكن الشخص الوسيط قد قام بأي عمل في الأرض قبل أن يزارع عامله بنسبة أقل أما إذا كان نتيجة للتفاوت بين الإجارتين ، فهو غير مشروع ما لم يكن المستأجر قد قام بعمل خاص في الأرض قبل أن يؤجرها بأقل . وأما النص الأخير في خبر الهاشمي فهو يعتبر عمل المستأجر الوسيط في الأرض - كحفر النهر ونحوه - شرطاً في صحة المزارعة التي يتفق عليها مع العامل ، وشرطاً بالتالي في جواز تملك هذا المستأجر الوسيط للزيادة الناجمة عن التفاوت بين ما يعطي لمالك الأرض وما يأخذ من العمل المباشر . ولكي نعرف عدم تعارض هذا مع مدلول النصين السابقين يجب أن نعرف : أولا : أن العمل الذي اعتبره النص - في خبر الهاشمي - شرطاً لصحة المزارعة التي يتفق عليها المستأجر الوسط مع عامله إنما هو العمل بعد عقد المزارعة لا قبل ذلك ، بدليل قوله ، ( نعم ، إذا حفر لهم نهراً أو عمل لهم شيئاً يعينهم بذلك فله ذلك ) . فان الحفر لهم والعمل لهم واعانتهم بذلك معناه أن هذه الأعمال تتم بعد الاتفاق معهم على المزارعة . وأما إذا حفر المستأجر قبل أن يؤاجر الأرض بأزيد مما استأجرها به . وثانياً : أن هذا النص لم تفترض فيه زيادة في العقد ، وإنما حصلت الزيادة اتفاقاً ، لأن المستأجر كان قد استأجر الأرض بأجرة محددة ، ثم اتفق مع عامل على أن يزرعها ، ولكل منهما النصف ، والنصف قدر غير محدد بطبيعته وكان من الممكن أن ينقص عن الأجرة التي دفعها المستأجر ، كما كان بالامكان أن يساويها أو يزيد عليها فالزيادة التي يتحدث عنها النص ليست مفروضة في طبيعة العقد ، لأن العقد بطبيعته لم يفرض على العامل المباشر أن يدفع إلى المستأجر الوسيط أكثر من الأجرة التي دفعها هذا إلى المالك وإنما ألزم العامل في العقد بدفع نسبة مئوية معينة من الناتج إلى المالك بقطع النظر عن كميتها ، وزيادتها ونقصانها عن الأجرة التي تسلمها المالك من المستأجر الوسيط . وإذا لاحظنا هذين الأمرين ، أمكننا القول بأن اشتراط العمل في هذا النص - نص الهاشمي - على المستأجر الوسيط بين المالك والعامل ، ليس لأجل تبرير الزيادة التي يحصل عليها المستأجر الوسيط ، نتيجة للفرق بين الأجرة التي دفعها إلى صاحب الأرض ، والنسبة المئوية التي يتسلمها من العامل المباشر ولنفرضها النصف مثلاً . بل إن اشتراط العمل على المستأجر الوسيط إنما هو لتصحيح عقد المزارعة ، وتوفير مقوماته الشرعية بما هو عقد خاص بقطع النظر عن الزيادة والنقيصة . وذلك بناء على الزعم الفقهي القائل : إن المزارعة لا يكفي فيها أن يقدم صاحب الأرض أرضه ، بل لابد لكي تكون صحيحة أن يتعهد بشيء آخر غير الأرض كما دل على ذلك النص الفقهي الذي نقلناه عن الشيخ الطوسي في الفقرة الثالثة ، إذ جعل البذر في هذا النص الفقهي على صاحب الأرض . وفي الفرضية التي يعالجها النص الوارد في خبر الهاشمي لم يفترض أن المستأجر الوسيط تعهد للعامل الذي زارعه بالبذر فكان لابد أن يكلف بالمساهمة مع العامل الذي يزارعه في العمل . وينتج عن ذلك أن صاحب الأرض - المالك لها رقبة أو منفعة - حينما يزارع عاملا ، لابد له من المساهمة مع العامل في العمل أو في البذر ونحوه من النفقة ، ولا يكفي مجرد اعطائه للأرض . وتفسير نص الهاشمي في هذا الضوء لا يتعارض مع ظهوره اطلاقاً ، ويحافظ على الفرق بين المزارعة والإجارة كما قرره النصان السابقان ، لأن العمل الذي يسوغ للمستأجر أن يؤجر الأرض بأكثر مما استأجرها هو العمل السابق على عقد الإجارة ، وشأنه تصحيح التفاوت بين الأجرتين . وأما العمل الذي يسوغ للمستأجر أن يزارع غيره على الأرض بالنصف مثلاً ، فهو عمل يقوم به المستأجر الوسيط ، بعد المزارعة ، وشأنه تصحيح أصل المزارعة ، لا تصحيح التفاوت فحسب .