نتيجة لتأريخها الديني ، فالإنسان الشرقي ، الذي ربته رسالات السماء وعاشت في بلاده ومر بتربية دينية مديدة على يد الإسلام ، ينظر بطبيعته إلى السماء قبل أن ينظر إلى الأرض ، ويؤخذ بعالم الغيب قبل أن يؤخذ بالمادة والمحسوس . وافتتانه العميق بعالم الغيب قبل عالم الشهادة هو الذي عبر عن نفسه على المستوى الفكري في حياة المسلمين ، باتجاه الفكر في العالم الإسلامي إلى المناحي العقلية من المعرفة البشرية ، دوم المناحي التي ترتبط بالواقع المحسوس . وهذه الغنيمة العميقة في مزاج الإنسان المسلم ، حددت من قوة إغراء المادة للإنسان المسلم وقابليتها لإثارته ، الأمر الذي يتجه بالإنسان في العالم الإسلامي ، حين يتجرد عن دوافع معنوية للتفاعل مع المادة وإغرائه باستثمارها ، إلى موقف سلبي تجاهها يتخذ شكل الزهد تارة والقناعة أخرى والكسل ثالثة . وقد روضته هذه الغيبة على الشعور برقابة غير منظورة ، قد تعبر في وعي المسلم التقي عن مسؤولية صريحة بين يدي الله تعالى ، وقد تعبر في ذهن مسلم آخر عن ضمير محدد وموجه ، وهي - على أي حال - تبتعد بإنسان العالم الإسلامي عن الإحساس بالحرية الشخصية والحرية الأخلاقية ، بالطريقة التي أحس بها الإنسان الأوروبي . ونتيجة لشعور الإنسان المسلم بتحديد داخلي يقوم على أساس أخلاقي لصالح الجماعة التي يعيش ضمنها ، يحس بارتباط عميق بالجماعة التي ينتسب إليها ، وانسجام بينه وبينها ، بدلا عن فكرة الصراع التي سيطرت على الفكر الأوروبي الحديث . وقد عزز فكرة الجماعة لذي الإنسان المسلم ، الإطار العالمي لرسالة الإسلام ، الذي ينيط بحمله هذه الرسالة مسؤولية وجودها عالميا وامتدادها مع الزمان والمكان ، فإن تفاعل إنسان العالم الإسلامي على مر التأريخ مع رسالة عالمية منفتحة على الجماعة البشرية ، يرسخ في نفسه الشعور بالعالمية والارتباط بالجماعة . وهذه الأخلاقية التي يعيشها إنسان العالم الإسلامي ، إذا لاحظناها بوصفها حقيقة ماثلة في كيان الأمة ، يمكن الاستفادة منها في المنهجية للاقتصاد داخل العالم الإسلامي