وقد استطاعت هذه القيم التي ترسخت عبر الزمن في الإنسان الأوروبي ، أن تعبر عن نفسها في مذاهب اللذة والمنفعة التي اكتسحت التفكير الفلسفي الأخلاقي في أوروبا ، فإن لهذه المذاهب - بوصفها نتاجا فكريا أوروبيا سجل نجاحا كبيرا على الصعيد الفكري الأوروبي - لها مغزاها النفسي ودلالتها على المزاج العام للنفس الأوروبية . وقد لعبث هذه التقييمات الخاصة للمادة والثروة والتملك ، دورا كبيرا في تفجير الطاقات المختزنة في كل فرد من الأمة ، ووضع أهداف لعملية التنمية تتفق مع تلك التقييمات . وهكذا سرت في كل أوصال الأمة ، حركة دائبة نشيطة مع مطلع التقييمات . وهكذا سرت في كل أوصال الأمة ، حركة دائبة نشيطة مع مطلع الاقتصاد الأوروبي الحديث ، لا تعرف الملل أو الارتواء من المادة وخيراتها وتملك تلك الخيرات . كما أن انقطاع الصلة الحقيقية للإنسان الأوروبي بالله تعالى ونظرته إلى الأرض ، بدلا عن النظرة إلى السماء انتزع من ذهنه أي فكرة حقيقية عن قيمومة رفيعة من جهة أعلى ، أو تحديدات تفرض عليه من خارج نطاق ذاته وهيأه ذلك نفسيا وفكريا للإيمان بحقه في الحرية ، وغمره بفيض من الشعور بالاستقلال والفردية ، الأمر الذي استطاعت بعد هذا أن تترجمه إلى اللغة الفلسفية أو تعبر عنه على الصعيد الفلسفي ، فلسفة كبرى في تأريخ أوروبا الحديثة وهي : الوجودية ، إذ توجت تلك المشاعر التي غمرت الإنسان الأوروبي الحديث بالصيغة الفلسفية ، فوجد فيها إنسان أوروبا الحديث أماله وأحساسيسه . وقد قامت الحرية بدور رئيسي في الاقتصاد الأوروبي ، وأمكن لعلمية التنمية أن تستفيد من الشعور الراسخ لدى الإنسان الأوروبي بالحرية والاستقلال والفردية في نجاح الاقتصاد الحر ، بوصفه وسيلة تتفق مع الميول الراسخة في نفوس الشعوب الأوروبية وأفكارها ، وحتى حينما طرح الاقتصاد الأوروبي منهجا اشتراكيا ، حاول فيه أن ينطلق من الشعور بالفردية والأنانية أيضا ، مع تحويلها من فردية شخص إلى فردية طبقية .