ولا يمكن لدعاة الاشتراكية العربية أن يميزوا الفوارق الأصلية بين اشتراكية عربية واشتراكية فارسية واشتراكية تركية ، ولا أن يفسروا : كيف تختلف الاشتراكية بمجرد إعطائها هذا الإطار القومي أو ذاك ؟ لأن الواقع أن المضمون والجوهر لا يختلف ، وإنما هذه الأطر تعبر عن استثناءات قد تختلف من شعب إلى آخر ، تبعا لنوعية التقاليد السائدة في تلك الشعوب . وبالرغم من أن دعاة الاشتراكية العربية قد فشلوا في تقديم مضمون حقيقي جديدة لهذه الاشتراكية عن طريق تأطيرها بالإطار العربي ، فإنهم أكدوا بموقفهم هذا تلك الحقيقة التي قلناها وهي : أن الأمة بحكم حساسيتها الناتجة عن عصر الاستعمار لا يمكن بناء نهضتها الحديثة إلى على أساس قاعدة أصلية ، لا ترتبط في ذهن الأمة ببلاد المستعمرين أنفسهم . وهنا يبرز فارق كبير بين مناهج الاقتصاد الأوروبي ، التي ترتبط في ذهن الأمة بإنسان القارة المستعمرة - مهما وضعت لها من إطارات - وبين المنهج الإسلامي ، الذي يرتبط في ذهن الأمة بتأريخها وأمجادها الذاتية ويعبر عن أصالتها ولا يحمل أي طابع لبلاد المستعمرين ، فإن شعور الأمة بأن الإسلام هو تعبيرها الذاتي وعنوان شخصيتها التأريخية ومفتاح أمجادها السابقة ، يعتبر عاملا ضخما جدا لإنجاح المعركة ضد التخلف وفي سبيل التنمية ، إذا استمد لها المنهج من الإسلام واتخذ من النظام الإسلامي إطارا للانطلاق . وإلى جانب الشعور المعقد للأمة في العالم الإسلامي تجاه الاستعمار وكل المناهج المرتبطة ببلاد المستعمرين ، يوجد هناك تعقيد آخر يشكل صعوبة كبيرة أيضا في طريق نجاح المناهج الحديثة للاقتصاد الأوروبي إذا طبقت في العالم الإسلامي ، وهو : التناقض بين هذه المناهج والعقيدة الدينية التي يعيشها المسلمون . وهنا لا أريد أن أتحدث عن هذا التناقض ، لكي أقارن بين وجهة النظر الدينية ووجهة النظر التي تتباها تلك المناهج ، وأحاول أن أفضل الأولى على الثانية - أي : أني لا أريد أن أبحث هذا التناقض بحثا عقائديا مذهبيا - وإنما أحاول إبراز هذا التناقض بين مناهج