وأما ذاك الفرد الآخر الذي يستنكف عن الاشتراك في عملية الاسترقاق ، ويترك هذه الفرصة الذهبية . . فهو جدير بكل النعوت التي يطلقها الاشتراكيون اليوم على الرأسمالي ، لأنه رجل يعارض عملية التقدم البشري . وأما الإسلام فهو يحكم على كل نظام في ضوء صلته بالحاجات الإنسانية المتنوعة ، التي يحب على النظام تكييف الحياة تكيفاً يضمن إشباعها ، بوصفها الأساس لنشوء الحياة الاجتماعية . ولا يعتبر هذا الشكل أو ذاك من أشكال الإنتاج ، مبرراً لقيام نظام اجتماعي وعلاقات توزيع لا تكفل إشباع تلك الحاجات ، لأنه ينكر تلك الصلة الحتمية المزعومة بين أشكال الإنتاج والنظم الاجتماعية . والإسلام حين ينكر هذه الصلة لا يقرر ذلك نظرياً فحسب ، بل هو يقدم الدليل العلمي على ذلك من وجوده التاريخي . فقد سجل الإسلام في تجربته الواقعية للحياة نصراً فكرياً وبرهاناً حياً ، على كذب تلك الصلة المزعومة بين النظام الاجتماعي وأشكال الإنتاج ، ودلل على أن الإنسانية تستطيع أن تكيف وجودها الاجتماعي تكييفاً انقلابياً جديداً ، بينما يظل أسلوب في الإنتاج كما هو دونما تغيير . فإن الواقع الإسلام الذي عاشته الإنسانية لحظة قصيرة من عمر الزمن المجيد ، وأحدث فيها أروع تطوير شهدته الأسرة البشرية . . لم يكن هذا الواقع الانقلابي الذي خلق أمة ، وأقام حضارة ، وعدّل من سير التاريخ . . وليد أسلوب جديد في الإنتاج ، أو تغيير في أشكاله وقواه . ولم يكن من الممكن في منطق التفسير الاشتراكي للتاريخ - الذي يربط النظام الاجتماعي بوسائل الإنتاج - أن يوجد هذا الانقلاب الشامل ، الذي تدفق إلى كل جوانب الحياة دون أن يسبقه أي تحول أساسي في ظروف الإنتاج . وهكذا تحدى الواقع الإسلامي منطق الماركسية التاريخي ، في كل حساباتها وفي كل شيء ، نعم في كل شيء ، فقد تحداها في فكرة المساواة ، لأن الماركسية ترى أن فكرة المساواة من نتاج المجتمع الصناعي ، الذي يتفتح عن الطبقة التي تحمل لواء المساواة وهي البورجوازية ، وليس من الممكن في رأيها حمل هذا اللواء قبل أن