الباهر على المستوى المادي في تأريخ أوروبا الحديث إلا بسبب تفاعل الشعوب الأوروبية مع تلك المناهج وحركتها في كل حقول الحياة ، وفقا لاتجاه تلك المناهج ومتطلباتها واستعداها النفسي المتناهي خلال تأريخ طويل لهذا الاندماج والتفاعل . فحين نريد أن نختار منهجا أو إطارا عاما للتنمية الاقتصادية داخل العالم الإسلامي ، يجب أن نأخذ هذه الحقيقة أساس ونفتش في ضوئها عن مركب حضاري قادر على تحريك الأمة وتعبئة كل قواها وطاقاتها للمعركة ضد التخلف ، ولا بد حينئذ أن ندخل في هذا الحساب مشاعر الأمة ونفسيتها وتأريخها وتعقيداتها المختلفة . ومن الخطأ ما يرتكبه كثير من الاقتصاديين ، الذين يدرسون اقتصاد البلاد المتخلفة وينقلون إليها المناهج الأوروبية للتنمية ، دون أن يأخذوا بعين الاعتبار درجة إمكان تفاعل شعوب تلك البلاد مع هذه المناهج ومدى قدرة هذه المناهج المنقولة على الالتحام مع الأمة . فهناك - مثلا - الشعور النفسي الخاص ، الذي تعيشه الأمة في العالم الإسلامي تجاه الاستعمار الذي يتسم بالشك والاتهام والخوف ، نتيجة لتأريخ مرير طويل من الاستغلال والصراع ، فإن هذا الشعور خلق نوعا من الانكماش لدى الأمة عن المعطيات التنظيمية للإنسان الأوروبي وشيئا من القلق ، تجاه الأنظمة المستمدة من الأوضاع الاجتماعية في بلاد المستعمرين وحساسية شديدة ضدها ، وهذه الحساسية تجعل تلك الأنظمة - حتى لو كانت صالحة ومستقلة عن الاستعمار من الناحية السياسية - غير قادرة على تفجير طاقات الأمة وقيادتها في معركة البناء ، فلا بد للأمة إذن بحكم ظروفها النفسية التي خلقها عصر الاستعمار وانكماشها تجاه ما يتصل به ، أن تقيم نهضتها الحديثة على أساس نظام اجتماعي ومعالم حضارية لا تمت إلى بلاد المستعمرين بنسب . وهذه الحقيقة الواضحة هي التي جعلت عددا من التكتلات السياسية في العالم الإسلامي ، تفكر في اتخاذ القومية فلسفة وقاعدة للحضارة وأساسا للتنظيم