أي حدود سمح الإسلام لولي الأمر باسترقاق الأسير بهذا الوصف ؟ فإذا استوعبنا هذه النواحي كلها ، استطعنا أن ننظر إلى حكم الإسلام في الغنيمة نظرة صحيحة . فالشرط الأساسي لمفهوم الغنيمة في نظر الإسلام ، الحصول عليها في حرب جهادية مشروعة ، ومعركة عقائدية . فما لم تكتسب الحرب طابع الجهاد لا يكون المال غنيمة . وهذا الطابع يتوقف على أمرين : أحدهما : أن تكون الحرب بإذن من ولي الأمر في سبيل حمل الدعوة الإسلامية . فليس من الجهاد بشيء حروب السلب والنهب كالمعارك الجاهلية ، أو القتال في سبيل الظفر بثروات البلاد وأسواقها كالحروب الرأسمالية . والأمر الآخر : أن يبدأ الدعاة الإسلاميون قبل كل شيء بالاعلان عن رسالتهم الإسلامية ، وإيضاح معالمها الرئيسية معززة بالحجج والبراهين ، حتى إذا تمت للإسلام حجته . ولم يبق للآخرين مجال للنقاش المنطقي السليم ، وظلوا بالرغم من ذلك مصرين على رفض النور . . عند ذاك لا يوجد أمام الدعوة الإسلامية - بصفتها دعوة فكرية عالمية تتبنّى المصالح الحقيقية للانسانية - إلا أن تشق طريقها بالقوى المادية ، بالجهاد المسلح [1] . وفي هذا الظرف فقط تعتبر مكاسب الحرب غنية في نظر الإسلام . وأما حكم الأسير في الغنيمة ، فهو تطبق أحد أمور ثلاثة عليه . فإما أن يعفى عنه ، وإما أن يطلق بفدية ، وإما أن يسترق . فالاسترقاق هو أحد الأمور الثلاثة التي يجب على ولي الأمر معاملة الأسير على أساسها . وإذا عرفنا بهذا الصدد أن ولي الأمر مسؤول عن تطبق أصلح الحالات الثلاث على الأسير ، وأوفقها بالمصلحة العامة ، كما صرح بذلك الفاضل والشهيد الثاني وغيرهما من فقهاء الإسلام [2] ، وأضفنا إلى ذلك حقيقة إسلامية أخرى ، وهي : أن الحرب في سبيل حمل الدعوة إلى بلاد الكفر لم يسمح بها الإسلام سماحاً عاماً ،
[1] لاحظ جواهر الكلام ج 21 ، ص 11 و 51 . [2] لاحظ قواعد الأحكام ج 1 ، ص 104 ، والتحرير ج 1 ، ص 140 ، والروضة في شرح اللمعة ج 2 ، ص 401 ، وجواهر الكلام ج 21 ، ص 126 .