صحيح أن التغييرات الجذرية على الصعيد الإنتاجي ، كانت تهئ الأذهان - إلى حد ما - لقبول فكرة التطور الفلسفي ، وتطبقها على كل مرافق الكون ولكن هذا لا يعني السببية الضرورية ، وربط التطور الفلسفي بتطور إنتاج ، ربطاً حتمياً لا يأذن له بالتقدم أو التأخر ، وإلا فكيف سمحت هذه الحتمية المزعومة ( لديدرو ) ، ان يسبق تطور الإنتاج ؟ ! بل كيف سمحت لفلاسفة عاشوا قبل ذلك بأكثر من ألفي سنة ، أن يجعلوا من التطور قاعدة فلسفية لهم ؟ ! . فهذا هو الفيلسوف اليوناني ( انكسمندر ) [1] ، عاش في القرن السادس قبل الميلاد ، جاء بمفهوم فلسفي عن التطور ، لا يختلف في جوهره عن مفاهيم التطور في عصر الإنتاج الرأسمالي . فقد قال : إن الكائنات كانت أول أمرها منحطة ، ثم صارت في طريق التطور ، درجات أعلى فأعلى ، بما فطر فيها من دافع غريزي ، يدفعها إلى الملائمة بين أنفسها والبيئة الخارجية : فالإنسان - مثلاً - كان حيواناً يعيش في الماء ، فلما انحسر الماء اضطر هذا الحيوان المائي إلى ملاءمة البيئة ، فاكتسب على مر الزمن أعضاء صالحة للحركة على الأرض اليابسة . وهكذا حتى أصبح إنساناً . وفيلسوف آخر ، كانت له مساهمة كبيرة في مفاهيم التطور الفلسفي ، حتى اعتبرته الماركسية ، شارحاً رائعاً لجوهر الديالكتيك ورأيه في التطور ، وهو ( هرقليطس ) [2] ، الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد . وجاء في دنيا الفلسفة بمفهوم للتطور ، يقوم على أساس التناقض والديالكتيك . في دنيا الفلسفة بمفهوم للتطور ، يقوم على التناقض والديالكتيك . فهو يؤكد أن الكون ليس على صورة واحدة ، فهو متغير متحول دائماً ، وهذه الصيرورة والحركة من صورة إلى صورة ، هي حقيقة الكون ، فلا تفتأ الأشياء تتقلب من حال لحال إلى آخر الأبد ، ويفسر هذه الحركة بأنها تناقض ، لأن الشيء المتحرك يكون موجوداً ومتغيراً في نفس الوقت ، أي موجوداً وغير موجود في آن واحد ، وهذا الاتحاد الآني بين الوجود واللاوجود ، هو معنى الحركة ، التي هي جوهر الكون وحقيقته .
[1] ولد سنة 611 ق . م . وتوفي سنة 547 ق . م . تقريباً . [2] ولد سن 535 ق . م . وتوفي سنة 475 ق . م .