أمّا قوله في الآية الثانية : إنّ المراد موضع الحيض قطعاً . في الظاهر مجرد دعوى ، فلا بد من بيان دليلها ، وكون الاعتزال ليس مراداً ، لا يدل على الاختصاص بالقبل . ولعل الأولى أن يقال : إنّ الظاهر من قوله تعالى * ( « ويَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ . » ) * [1] إرادة محل الحيض لا زمان الحيض ، وبهذا يندفع بعض ما قدّمناه في الآية ، وذكر بعض المتأخّرين أيضاً أنّ قياس اللفظ يقتضيه ، ولسلامته من الإضمار والتخصيص اللازمين بحمله على المصدر [2] . وفيه بحث إلَّا أنّ مقام التأييد واسع الباب . واعلم أنّ رواية الحلبي مروية في الفقيه بطريقه الصحيح [3] ، وقد أجاب بعضهم عنها بأنّ دلالتها من باب مفهوم الخطاب وهو ضعيف [4] . واعترض عليه بأنّ الظاهر كون دلالتها من باب مفهوم الحصر [5] . ولا يخلو من تأمّل . وما ذكره الشيخ في تأويل الخبر الأخير لا يخفى أنّه لا يطابق الخبر ، لأنّ قوله : « لا شيء » في جواب : ما يحل له ؟ لا يقبل التأويل . نعم الحمل على الكراهة أو التقية له وجه ، وقد نقل أهل الخلاف في أحاديثهم أنّ عائشة قالت : كان يأمرني فأتّزر فيباشرني وأنا حائض [6] ، وذكر ابن الأثير في شرح الحديث أنّه دال على جواز المباشرة فوق الإزار ،
[1] البقرة : 222 ، وفي النسخ هكذا : انما المحيض أذى فاعتزلوا النساء . [2] المدارك 1 : 351 . [3] الفقيه 1 : 54 / 204 ، الوسائل 2 : 323 أبواب الحيض ب 26 ح 1 . [4] كالمحقق الحلي في المعتبر 1 : 225 . [5] كما في مدارك الأحكام 1 : 353 . [6] صحيح البخاري 1 : 82 .