ان طيب النفس حاصل في المقام ، لان مرجعه اما إلى جلب المنفعة أو دفع المضرة وهو موجود فيما نحن فيه . والحاصل ان اعتبار طيب النفس هنا مثل اعتبار طيب النفس في باب البيع والطلاق والعتاق فكما انه إذا اضطر الرجل لمعالجة ولده إلى بيع لوازم بيته ، يصح بيعه مع انه لم تطب نفسه ببيعه ، غير انه قام به لأجل تقديم الأهم من مقاصده على المهم فهكذا المقام غاية الأمر ان طيب النفس في تلك الموارد ليس أولا وبالذات بل ثانيا وبالعرض وهذا لا يوجب عدم طيب النفس مطلقا ومن أصله كما لا يخفى [1] . واما الصورة الثانية فلما ورد في بعض الروايات من ان وجوب القصر وعدمه يدور مدار العلم بوقوع المسافة وعدمه نفيا وإثباتا كما في ذيل رواية إسحاق بن عمار وهو قول موسى بن جعفر عليهما السّلام حيث قال عليه السّلام : هل تدري كيف صار هكذا ؟ قلت : لا قال عليه السّلام : لان التقصير في بريدين ولا يكون التقصير في أقل من ذلك فإذا كانوا قد ساروا بريدا وأرادوا أن ينصرفوا كانوا قد سافروا سفر التقصير وان كانوا قد ساروا أقل من ذلك لم يكن لهم إلا إتمام الصلاة . قلت : أليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم الذي خرجوا منه ؟ قال : بلى انما قصروا في ذلك الموضع لأنهم لم يشكوا في مسيرهم وان السير يجد بهم فلما جاءت العلة في مقامهم دون البريد
[1] والأولى ان يقال : ان الفاعل المكره على خلاف ما عرف في الفلسفة من أقسام الفاعل المريد المختار وليس خارجا عنهما لان المكره بعد ما لاحظ وضعه وما حمل عليه يريد ويختار عن حرية أحد الطرفين ويرجحه على الأخر بملاك خاص ، ومثل هذا لا يخرج عن كونه فاعلا مريدا مختارا ويكفي في كون السفر ، داخلا تحت الأدلة والحاصل ان الضغط الوارد على المكلف من جانب المكره إذا لم يبلغ إلى حد الصورة الثانية لا يخرج المكلف عن حد كونه فاعلا مريدا مختارا لأنه بمحاسبة خاصة يرجح أحد الطرفين على الأخر ، وكان في وسعه ان يعكس الجريان بان يعطى خمسين دينارا ولا يختار هذا الشق - ابن المؤلف .