وإذا كان عسكر المسلمين مثل نصف عسكر المشركين ، لم يجز لأحد أن يولي الدبر بل وجب عليه الثبات ، إلا أن يكون متحرفا لقتال أو يكون في مضيق فينحرف عنه إلى موضع يتسع فيه للقتال أو يعين على مجال [1] فرسه ، أو يكون موضعه معطشا فيتحول إلى موضع الماء ، أو يكون الريح والشمس في وجوههم يستدبرونها أو يكون متحيزا إلى فئة فيتحيز إليها ، وسواء كانت فئة بعيدة أو قريبة ، أو ما جرى مجرى ذلك ، فإذا انحرف بغير ما ذكرناه كان فارا واستحق العقاب العظيم لقوله سبحانه : " فقد باء بغضب من الله " [2] . وإذا لقي واحدا من المشركين وعلم أو غلب على ظنه أنه يقتله ، فقد ذكر أنه يجوز له الانصراف ، والأقوى عندي خلافه ، وتعويل من خالف في ذلك على قوله سبحانه " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " [3] يصح تناوله لغير هذا الموضع ، لأنه متعبد في جهاد الكفار بالثبات لقوله سبحانه " إذا لقيتم فئة فاثبتوا " [4] . فإذا كان عسكر المشركين أكثر من ضعف عسكر المسلمين ، لم يجب الثبات ، أو يغلب في ظنه إنه إن ثبت قتل ، فالأفضل له الثبات فإن لم يثبت وأراد الانصراف كان له ذلك ، وقد ذكر أن الجيش إذا بلغ اثني عشر ألفا لم يجز لأحد أن يولي . ومن كانت له دعوة قد بلغته ، وعلم أن النبي صلى الله عليه وآله يدعو إلى الإيمان وشرائع الإسلام ، ولم يقبلوا ذلك مثل الترك والروم والهند والخزر [5] ومن جرى مجراهم فإنه يجوز للإمام أو من نصبه أن ينفذ الجند لقتالهم من غير أن يقدم النذارة [6] إليهم ويجوز أن يغير [7] عليهم .
[1] أي جولانه . [2] الأنفال ، الآية 16 . [3] البقرة ، الآية 195 . [4] الأنفال ، الآية 45 . [5] الخزر : بضم معجمة وسكون زاء وفتحها : جنس من الأمم خزر العيون من ولد يافث بن نوح على نبينا وآله ( ع ) من خزرت العين إذا صغرت وضاقت . [6] النذارة ، الإنذار . [7] من الإغارة .