وهي عبودية الفقير بالذات للغني بالذات . ومن عرف نفسه علم أنه لا يملك نفسه ولا يملك لنفسه شيئا ، لا نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، وعرف ربه بما قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : " لا يكون الشئ لا من شئ إلا الله ، ولا ينقل الشئ من جوهريته إلى جوهر آخر إلا الله ، ولا ينقل الشئ من الوجود إلى العدم إلا الله " [1] وعلم أن كل ما سوى الله نسبته إلى إرادة الله نسبة الصور القائمة بالأذهان إلى التفات الانسان ، مع ما به التفاوت بين النسبتين ، بأن النسبة والمنتسبين في الصور العلمية تزول بالسنة والنوم ، والأعيان والأذهان قائمة بالحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ، وليس لقيوميته ولخالقيته مثل ، ولكنه قال سبحانه : { يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب } [2] . فمن تأمل في خلق الذباب وما أعطاه الله من القوى والأعضاء والجوارح ، وعلم عجز كل ما يدعى من دون الله عن خلق ذباب من مادته وصورته ، وإفاضة الحياة على مادته الميتة ، وما أودع في صنعه من لطائف الحكمة ، وتأمل في عجز ما يدعى من دون الله عن استنقاذ ما سلبه هذا المخلوق الضعيف ، علم أنه عبد مملوك لا يقدر على شئ ، وعلم تفسير قوله تعالى بعد هذه الآية : { ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوى عزيز } [3] ، وعلم { إن كل من في السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا } [4] . ومن أدرك العبودية الحقيقية يعلم أنها تقتضي حقيقة العبودية ، التي توصل العبد إلى العبادة الحقيقية ، التي هي منزلة الأحرار عن الرقية لما سوى الله ، وهم
[1] التوحيد للصدوق ص 68 باب التوحيد ح 22 . [2] سورة الحج : 73 . [3] سورة الحج : 74 . [4] سورة مريم : 93 .