والكمال كل الكمال أن تصير الإرادة مقهورة لأمر الله تعالى ، والرضا والغضب تابعين لرضا الله وغضب الله تعالى ، فإذا بلغ العبد إلى أن يرضى لرضا الرب ويغضب لغضبه على الإطلاق ، بحيث لا يتخلف رضاه وغضبه عن رضا الله وغضبه في حال من الأحوال ، يصل إلى مرتبة العصمة المطلقة . وقد صح عند العامة والخاصة أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال لفاطمة : إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك [1] ، فإذا كانت العصمة المطلقة المستلزمة لإمامة الناس أن يرضى العبد برضى الرب ويغضب لغضبه بقول مطلق ، فكيف تصل الأفكار إلى مقام الصديقة التي يرضى الرب لرضاها ويغضب لغضبها على الإطلاق ، بإطلاق كلام الذي قال الله تعالى فيه { وما ينطق عن الهوى } [2] فكما لا تتخلف ارادتها عن إرادة الله ، لا تتخلف إرادة الله عن إرادتها ، وآية المباهلة لتشهد على اتصال إرادتها بالأمر الذي قال سبحانه فيه { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } [3] . وكفاها منزلة أن الله سبحانه وتعالى اصطفى من عباده أنبياءه ، واصطفى منهم خاتمهم الذي أرسله رحمة للعالمين ، وقال { تبارك الذي نزل الفرقان على عبده } [4] واختار فاطمة لأن يكون بها امتداد وجوده ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأبقى بها نسله إلى يوم القيامة ، وجعل حضنها مهدا لأئمة الأمة ، الذين بهم تمت نعمة بعثته ، وكملت بهم شريعته ودينه ، وطلعت من مشرق وجودها نجوم أضاءت بأنوارها
[1] راجع صفحة : 193 . [2] سورة النجم : 3 [3] سورة يس : 82 . [4] سورة الفرقان : 1 .