فقال الرجل : رحمك الله فأوجدني كيف هو ، وأين هو ؟ قال : ويلك إن الذي ذهبت إليه غلط ، هو أين الأين وكان ولا أين ، وهو كيف الكيف وكان ولا كيف ، ولا يعرف بكيفوفية ولا بأينونية ، ولا يدرك بحاسة ولا يقاس بشئ . قال الرجل : فإذا إنه لا شئ ، إذ لم يدرك بحاسة من الحواس ! فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : ويلك لما عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته ، ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا خلاف الأشياء . قال الرجل : فأخبرني متى كان ؟ فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : أخبرني متى لم يكن ، فأخبرك متى كان . قال الرجل : فما الدليل عليه ؟ قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : إني لما نظرت إلى جسدي فلم يمكني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول ، ودفع المكاره عنه ، وجر المنفعة إليه ، علمت أن لهذا البنيان بانيا فأقررت به ، مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته ، وإنشاء السحاب ، وتصريف الرياح ، ومجرى الشمس والقمر والنجوم ، وغير ذلك من الآيات العجيبات المتقنات ، علمت أن لهذا مقدرا ومنشئا " [1] . ومعنى قول الإمام ( عليه السلام ) : " ولا يضرنا ما صلينا وصمنا . . . " أن الوظائف الدينية من الايمان والعمل الصالح وترك المنكرات موجبة لطمأنينة الروح وصلاح المجتمع ، وهذه الأعمال حتى لو كانت عبثا لكان تحملها بسبب احتمال وجود المبدأ والمعاد جهدا ضئيلا ، ولازما لأجل دفع الشر وجلب الخير الذي لا حد له . ومعنى قوله ( عليه السلام ) : " هو أين الأين . . . " : أن الأين والكيفية عرضان ، والله خالق الجواهر والأعراض ، فكيف يعقل اتصاف الخالق بخلقه ، والمخلوق لا يكون وصفا للخالق ، حيث إن اتصاف الخالق بصفات الخلق يستلزم احتياج الخالق إلى خلقه ،
[1] التوحيد للصدوق ص 250 باب 36 في الرد على الثنوية والزنادقة ح 3 ، الكافي ج 1 ص 78 .