هذه هي التربية التي أزالت الفوارق القومية الراسخة في النفوس ، ومنها التعصب القومي بين العرب والفرس وغيرهم ، فعندما اعترض بعضهم على جلوس سلمان الفارسي وأمثاله في مجلس النبي إلى جانب شخصيات قبائل العرب ، وطلبوا من النبي أن يجعل لهم مجلسا خاصا ، أجابهم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بقوله تعالى : { و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا } [1] ، فصار سلمان أميرا على المدائن ، وكان عطاؤه خمسة آلاف ، وإذا خرج عطاؤه تصدق به ، وكان يأكل من عمل يده ، وكانت له عباءة يفرش بعضها ويلبس بعضها . [2] كما استطاعت أن تزيل فوارق العرق واللون ، فصار بلال الغلام الأسود المؤذن الخاص للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وصاحبه المقرب ، وعندما اعترض بعض زعماء قريش قائلا : ( أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا ! ) [3] ، كان جواب النبي لهم بقوله تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقيكم إن الله عليم خبير } [4] . وقد غرس القرآن دوحة جذورها العلم والمعرفة ، وجذعها الاعتقاد بالمبدأ والمعاد ، وفروعها الملكات الحميدة والأخلاق الفاضلة ، وأزهارها التقوى والورع ، وثمارها الأقوال المحكمة والأفعال المحمودة { ألم تر كيف ضرب الله
[1] سورة الكهف : 28 . [2] بحار الأنوار ج 22 ص 391 ، الفصول العشرة ص 102 . [3] مجمع البيان ج 9 ص 226 في تفسير الآية المذكورة . [4] سورة الحجرات : 13 .