آخر : من أجل هدف أكبر من وجوده ومصالحه المادية الخاصة . وهذه تربية ضرورية لانسان عصر الذرة والكهرباء ، كما هي ضرورية للانسان الذي كان يحارب بالسيف ويسافر على البعير على السواء ، لأنهما معا يواجهان هموم البناء والأهداف الكبيرة ، والمواقف التي تتطلب تناسي الذات والعمل من أجل الآخرين ، وبذر البذور التي قد لا يشهد الباذر ثمارها ، فلابد إذن من تربية كل فرد على أن يؤدي قسطا من جهده وعمله لا من أجل ذاته ومصالحها المادية الخاصة ، ليكون قادرا على العطاء وعلى الايثار وعلى القصد الموضوعي النزيه . والعبادات تقوم يدور كبير في هذه التربية الضرورية ، لأنها كما مر بنا أعمال يقوم بها الانسان من أجل الله سبحانه وتعالى ، ولا تصح إذا أداها العابد من أجل مصلحة من مصالحه الخاصة ، ولا تسوغ إذا استهدف من ورائها مجدا شخصيا وثناء اجتماعيا وتكريسا لذاته في محيطه وبيئته ، بل تصبح عملا محرما ، يعاقب عليه هذا العابد ، كل ذلك من أجل أن يجرب الانسان من خلال العبادة القصد الموضوعي ، بكل ما في القصد الموضوعي من نزاهة واخلاص واحساس بالمسؤولية ، فيأتي العابد بعبادته من أجل الله سبحانه وفي سبيله باخلاص وصدق . وسبيل الله هو التعبير التجريدي عن السبيل لخدمة الانسان ، لأن كل عمل من أجل الله فإنما هو من أجل عباد الله ، لأن الله هو الغني عن عباده ولما كان الاله الحق المطلق فوق أي حد وتخصيص لا قرابة له لفئة ولا تحيز له إلى جهة ، كان سبيله دائما يعادل من الوجهة العملية سبيل الانسانية جمعاء . فالعمل في سبيل الله ومن أجل الله هو العمل من أجل الناس ولخير الناس جميعا ، وتدريب نفسي وروحي مستمر على ذلك . وكلما جاء سبيل الله في الشريعة أمكن أن يعني ذلك تماما سبيل الناس