والعبادات هي التي تقوم بدور التعميق لذلك الشعور ، لأنها تعبير عملي وتطبيقي لغريزة الايمان ، وبها تنمو هذه الغريزة وتترسخ في حياة الانسان . ونلاحظ أن العبادات الرشيدة بوصفها تعبيرا عمليا عن الارتباط بالمطلق يندمج فيها عمليا الاثبات والرفض معا ، فهي تأكيد مستمر من الانسان على الارتباط بالله تعالى ، وعلى رفض أي مطلق آخر من المطلقات المصطنعة فالمصلي حين يبدأ صلاته ب ( الله أكبر ) يؤكد هذا الرفض ، وحين يمسك عن الطيبات ويصوم حتى عن ضرورات الحياة من أجل الله متحديا الشهوات وسلطانها يؤكد هذا الرفض . وقد نجحت هذه العبادات في المجال التطبيقي في تربية أجيال من المؤمنين ، على يد النبي ( ص ) والقادة الأبرار من بعده ، الذين جسدت صلاتهم في نفوسهم رفض كل قوى الشر وهوانها ، وتضاءلت أمام مسيرتهم مطلقات كسرى وقيصر وكل مطلقات الوهم الانساني المحدود . على هذا الضوء نعرف ان العبادة ضرورة ثابتة في حياة الانسان ومسيرته الحضارية ، إذ لا مسيرة بدون مطلق تنشد إليه وتستمد منه مثلها ، ولا مطلق يستطيع ان يستوعب المسيرة على امتدادها الطويل سوى المطلق الحق سبحانه ، وما سواه من مطلقات مصطنعة يشكل حتما بصورة وأخرى عائقا عن نمو المسيرة ، فالارتباط بالمطلق الحق إذن حاجة ثابتة ، ورفض غيره من المطلقات المصطنعة حاجة ثابتة أيضا ، ولا إرتباط بالمطلق الحق بدون تعبير عملي عن هذا الارتباط يؤكده ويرسخه باستمرار ، وهذا التعبير العملي هو العبادة ، فالعبادة إذن حاجة ثابتة .