إلى إله من هذا القبيل يصبح سببا في تطويق حركة الانسان ، وتجميد قدراتها على التطور والابداع ، وإقعاد الانسان عن ممارسة دوره الطبيعي المفتوح في المسيرة : " لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا " الاسراء ( 22 ) . وهذه حقيقة صادقة على كل الآلهة التي صنعها الانسان عبر التاريخ ، سواء كان قد صنعه في المرحلة الوثنية من العبادة ، أو في المراحل التالية فمن القبيلة إلى العلم نجد سلسلة من الآلهة التي أعاقت الانسان بتأليهها ، والتعامل معها كمطلق عن التقدم الصالح . نعم من القبيلة التي كان الانسان البدوي يمنحها ولاءه باعتبارها حاجة واقعية بحكم ظروف حياته الخاصة ، ثم غلا في ذلك ، فتحولت لديه إلى مطلق لا يبصر شيئا الا من خلالها ، وأصبحت بذلك معيقة له عن التقدم . إلى العلم الذي منحه الانسان الحديث - بحق - ولاءه ، لأنه شق له طريق السيطرة على الطبيعة ، ولكنه غلا أحيانا في هذا الولاء فتحول إلى ولاء مطلق ، تجاوز به حدوده في خضم الافتتان به ، وانتزع الانسان المفتون بالعلم منه مطلقا يعبده ، ويقدم له فروض الطاعة والولاء ، ويرفض من اجله كل القيم والحقائق التي لا يمكن قياسها بالأمتار أو رؤيتها بالمجهر . فكل محدود ونسبي إذا نسج الانسان منه في مرحلة ما مطلقا يرتبط به على هذا الأساس ، يصبح في مرحلة رشد ذهني جديد قيدا على الذهن الذي صنعه بحكم كونه محدودا ونسبيا . فلا بد للمسيرة الانسانية من مطلق . ولابد ان يكون مطلقا حقيقيا ، يستطيع ان يستوعب المسيرة الانسانية ويهديها سواء السبيل مهما تقدمت وامتدت على خطها الطويل ، ويمحو من طريقها كل الآلهة الذين يطوقون المسيرة ويعيقونها .