تعبر عن مشكلة : الغلو في الانتماء والانتساب بتحويل الحقائق النسبية التي ينتمي إليها إلى مطلق ، وهذا يمثل الجانب الايجابي من المشكلة . وقد أطلقت الشريعة الخاتمة على المشكلة الأولى اسم : الالحاد ، باعتباره المثل الواضح لها ، وعلى المشكلة الثانية اسم : الوثنية والشرك ، باعتباره المثل الواضح لها أيضا . ونضال الاسلام المستمر ضد الالحاد والشرك هو في حقيقته الحضارية نضال ضد المشكلتين بكامل بعديهما التاريخيين . وتلتقي المشكلتان في نقطة واحدة أساسية ، وهي : إعاقة حركة الانسان في تطوره عن الاستمرار الخلاق المبدع الصالح ، لان مشكلة الضياع تعني بالنسبة إلى الانسان انه صيرورة مستمرة تائهة لا تنتمي إلى مطلق ، يسند إليه الانسان نفسه في مسيرته الشاقة الطويلة المدى ، ويستمد من اطلاقه وشموله العون والمد والرؤية الواضحة للهدف ، ويربط من خلال ذلك المطلق حركته بالكون ، بالوجود كله ، بالأزل والأبد ، ويحدد موقعه منه وعلاقته بالإطار الكوني الشامل . فالتحرك الضائع بدون مطلق تحرك عشوائي كريشة في مهب الريح ، تنفعل بالعوامل من حولها ولا نؤثر فيها . وما من ابداع وعطاء في مسيرة الانسان الكبرى على مر التاريخ الا وهو مرتبط بالاستناد إلى مطلق والالتحام معه في سير هادف . غير أن هذا الارتباط نفسه يواجه من ناحية أخرى الجانب الآخر من المشكلة ، اي مشكلة الغلو في الانتماء بتحويل النسبي إلى مطلق ، وهي مشكلة تواجه الانسان باستمرار ، إذ ينسج ولاءه لقضية لكي يمده هذا الولاء بالقدرة على الحركة ومواصلة السير ، الا ان هذا الولاء يتجمد بالتدريج ويتجرد عن ظروفه النسبية التي كان صحيحا ضمنها ، وينتزع الذهن البشري منه مطلقا لاحد له ، ولاحد للاستجابة إلى مطالبه ، وبالتعبير الديني يتحول إلى إله يعبد بدلا عن حاجة يستجاب لاشباعها . وحينما يتحول النسبي إلى مطلق