حديث آخر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما أخاف على قريش إلا أنفسها " . ثم وصفهم فقال : " أشحة بجرة ، يفتنون الناس حتى تراهم بينهم كالغنم بين الحوضين ، إلى هذا مرة وإلى هذا مرة " . والبجرة ، العظام البطون ، يقال رجل أبجر ، إذا كان عظيم البطن ناتئ السرة ، ومنه سمي الرجل بجيرا ، وهو مصغر مرخم ، يريد أنهم أكلة عظام البطون . وقوله : تطأطأت ، يريد : خفضت لهم نفسي وذللت ، ويقال في المثل : " تطأطأ لها تخطك " . يراد انخفض لها ولا تتعزز ، فإنها تمضي وتذهب ، وإن كنت أشرفت لها وتلقيتها بمثله لم تأمن أن تجر عليك : ما هو أشد منها . ثم ضرب تطأطؤ الدلاة لتطأطئه لهما مثلا . والدلاه : جمع دال ، وهو النازع بالدلو ، وإذا جذبها تطأطأ يقال منه : دلا يدلوه ، إذا نزع . فإن ألقاها في الماء ليستقي قيل : أدلى فهو مدل ، ومنه قول الله جل وعز : " فأدلي دلو " ، أي أرسلها . وأما قول العجاج : " من الرجز " * تكشف عن جماته دلو الدال فإن المدلي كان في هذا الموضع أشبه بما أراد ، ولكنه أراد القافية ، وعلم أن الدال والمدلي جميعا صفتان للمستقي ، فكأنه قال : تكشف عن جماته دلو المستقي . وجمة الماء ، معظمه . وأما قوله : تلددت تلدد المضطر ، فإن التلدد : التلفت يمينا وشمالا ، وهو من اللديدين ، وهما صفحتا العنق ، ولديد الوادي ، جانباه ، ومنه اللدود ، وهو الوجور في أحد جانبي الفم ، لأنه يجري في أحد اللديدين . يقال : تركت فلانا متحيرا يتلدد ، وإنما أراد به انه داراهم وراقبهم ، كما يفعل المضطر ، وليس بمضطر . والمرسون ، هو الذي جعل عليه الرسن ، يقال : رسنت الدابة والبعير أرسنه رسنا وأرسنته ، وهذا الحرف وحده جاء من بين أمثاله على " فعلت " و " أفعلت " وسائرها على " أفعلت " يقال : أنفرت الدابة وألبدته وألببته ، وأعذرته