والحق أن كتابه هذا جاء مرجعا علميا جليل القدر عظيم الفائدة في هذا العلم ، وعلى كثرة ما كتبه العلماء على رسالة الكافية من شروح وتعليقات ، قد نقل كثيرون ممن جاءوا بعد الرضى عن شرحه هذا وأخذوا منه . وامتاز الرضي في شرحه هذا باستقلال الرأي وحرية الفكر ، فلم يتحيز ولم يتعصب لمذهب معين لاحد ممن سبقوه ، وعلى ميله الغالب إلى مذهب البصريين ، وتمجيده لامام النحو " سيبويه " وتقديره لكتابه ، يختار كثيرا ، بعض آراء الكوفيين ويدافع عنها ، بل إن ذلك ظهر في كثير من تعبيراته ، التي وردت في هذا الشرح ، وهو ، إلى ذلك ، قد ينفرد برأي خاص في بعض المسائل ، بعد أن يعرض أقوال السابقين ويفندها ، وقد يرجع بعضها ويدافع عنه دفاعا قويا . وقد حفل شرحه هذا بشواهد من القرآن ومن الشعر ، وبعض الأحاديث النبوية ، وعبارات مما تضمنه كتاب نهج البلاغة المنسوب إلى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه ، فأما الشعر فقد جاء فيه ما يقرب من ألف شاهد ، وقد تكفل بشرحها شرحا علميا وأدبيا وتاريخيا : العلامة عبد القادر البغدادي من علماء القرن الحادي عشر الهجري في كتاب ، هو جدير ، حقا بما سماه به صاحبه : " خزانة الأدب ، ولب لباب لسان العرب " ، وكثير من الأدباء وعلماء اللغة يرجعون إليه في معظم ما يكتبون ، وأما شواهده القرآنية ، فمما لا شك فيه أن كتاب الله تعالى هو قمة الاستشهاد على علوم اللغة العربية ، وأما حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد ثار خلاف بين السابقين من علماء النحو في صحة الاستشهاد به ، وتحرج كثير منهم من ذلك وخلت كتب كثيرة من ذكر الأحاديث النبوية ، وهو خلاف طويل لا يتسع المجال هنا لعرضه ، وقد لخص ذلك : البغدادي في مقدمة خزانة الأدب ، ولكنهم انتهوا أخيرا إلى صحة الاستشهاد بالحديث وبدأت مؤلفاتهم تمتلئ به ، فسلك الرضى مسلكهم في ذلك .