" أن " نحو : إياك والأسد ، يجوز فيه وجهان كونه مع الواو ، ومع " من " وقد عرفت معنى العطف ، وأما " من " فهو متعلق بالفعل المقدر ، أي بعد نفسك من الأسد . والذي مع " أن " يجوز فيه هذان الوجهان ، نحو " إياك تحذف ، وإياك من أن تحذف ، ويجوز فيه وجه ثالث وهو حذف الجار ، لان " أن " حرف ، موصولة طويلة بصلتها لكونها مع الجملة التي بعدها بتأويل اسم ، فلما طال لفظ ما هو في الحقيقة اسم واحد ، أجازوا فيه التخفيف قياسا بحذف حرف الجر ، الذي هو مع المجرور كشئ واحد ، وكذا " أن " المصدرية ، وبعد حذف الحرف صار " أن " مع صلتها في محل النصب عند سيبويه نحو : الله لأفعلن وقال الخليل والكسائي ، هي باقية على ما كانت عليه من الجر . والأول أولى لضعف حرف الجر عن العمل مقدرا ، ونحو الله لأفعلن [1] نادر . وحذف حرف الجر مع غير " أن " و " أن " سماع نحو : استغفرت الله ذنبا ، أي من ذنب ، وبغاه الخير ، أي بغي له . وقال الأخفش الصغير [2] ، يجوز حذف حرف الجر قياسا إذا تعين وإن كان مع غير أن وأن ، فلهذا لم يجز حذف الجار من إياك من الأسد ، إذ ليس بقياس ، ولم يسمع . فان قيل فاحذف العاطف ، قلت ، حذفه أيضا لا يجوز وهو أشد من حذف حرف الجر ، لأنه قياس مع أن وأن ، شاذ كثير في غيرهما ، وأما حذف العاطف فلم يثبت إلا نادرا ، كما قال أبو علي في قوله تعالى : " ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت " [3] أي وقلت ،
[1] أي بجر لفظ الجلالة بعد حذف حرف القسم . [2] تقدم أن الأخفش إذا أطلق انصرف إلى الأوسط - سعيد بن مسعدة الذي امتلأ هذا الشرح باسمه ، والأخفش الصغير ، لا يذكر إلا هكذا ، أو باسمه ، وهو علي بن سليمان ، وكنيته أبو الحسن . وهو تلميذ المبرد وأخذ عن ثعلب وله وقائع مع ابن الرومي الشاعر انتهت بصداقة بينهما ، ورد مصر ومنها إلى حلب ثم عاد إلى بغداد وتوفي بها سنة 315 ه ، والأخفش الأكبر هو أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد . شيخ سيبويه وسيأتي ذكره في هذا الشرح . [3] الآية 92 من سورة التوبة .