يسميها علمه . . . ومن يسترسل إلى التقليد الذي يسميه مذهبه . . . إلى أن تلك الكتب وما جرى في طريقتها هي أموات من الكتب وهي قبور من الأوراق ، وأنه يجب أن يكون بيننا وبينها من الاهمال أكثر مما بينها وبيننا من الزمن ، وأن بعث الكتاب منها وإحياءه يوشك أن يكون كبعث الموتى علامةً على خراب الدنيا . . . فأما أن يكون ذلك علامة على خراب الدنيا فهو صحيح إذا كانت الدنيا هي محرر جريدة . . . من أمثال أصحابنا هؤلاء ، وأما تلك الكتب فأنا أحسبها لم توضع إلا لزمننا هذا ولأدبائه وكتّابه خاصةً ، وكأن القدر هو أثبت ذلك القول في مقدمة ابن خلدون لينتهي بنصه إلينا فنستخرج منه ما يقيمنا على الطريقة في هذا العصر الذي وقع أدباؤه في متّسع طويل من فنون الأدب ومضطرب عريض من مذاهب الكتابة وأفق لا تستقرّ حدوده من العلوم والفلسفة . . فان هذه المادة الحافلة من المعاني تحيي آداب الأمم في أوروبا وأمريكا ولكنها تكاد تطمس آدابنا وتمحقنا محقاً تذهب فيه خصائصنا ومقوّماتنا وتحيلنا عن أوضاعنا التاريخية وتفسد عقولنا ونزعاتنا وترمى بنا مراميها بين كل أمّة وأمة حتى كان ليست منّا أمة في حيّزها الإنساني المحدود من ناحية بالتاريخ ومن ناحية بالصفات ومن ناحية بالعلوم ومن ناحية بالآداب . ومن ذلك ابتلى أكثر كتابنا بالانحراف عن الأدب العربي أو العصبيّة عليه أو الزّراية له ، ومنهم من تحسبه قد رمي في عقله لهوسه وحماقته ، ومنهم من كأنّه في حقده سلخ قلبه ، ومنهم المقلد لا يدري أعلى قصد هو أم جور ، ومنهم الحائر يذهب في مذهب ويجيء من مذهب ولا يتّجه لقصد ، ومنهم من هو منهم وكفى . . . وقلّما تنبّه أحد إلى السبب في هذا والسبب في حقارته وضعفه ( ( كالمكروب ) ) بذرة طامسة لا شأن لها ولكن متى تنبت تنبت أوجاعاً وآلاماً وموتاً وأحزاناً ومصائب شتّى .