قال : إنما يشتاق العبد ؛ لأنه يتعذّر عليه لقاء مولاه ، وأما السيّد فمتى أراد عبده دعاه . وقال له المتوكل : من أسخى من رأيت ؟ قال : ابن أبي داود ، قال المتوكَّل : تأتى إلى رجل رفضته فتنسبه إلى السخاء ؟ قال : إنّ الصدق يا أمير المؤمنين ليس في موضع من المواضع أنفق منه في مجلسك ؛ وإنّ الناس يغلطون فيمن ينسبونه إلى الجود ؛ لأنّ سخاء البرامكة منسوب إلى الرشيد ، وسخاء الفضل والحسن ابني سهل منسوب إلى المأمون ، وجود ابن أبي داود منسوب إلى المعتصم ؛ فإذا نسب الناس الفتح وعبيد اللَّه ابني يحيى إلى السخاء فذلك سخاؤك يا أمير المؤمنين ، قال : صدقت ؛ فمن أبخل من رأيت ؟ قال : موسى بن عبد الملك ، قال : وما رأيت من بخله ؟ قال : رأيته يخدم القريب كما يخدم البعيد ، ويعتذر من الإحسان كما يعتذر من الإساءة ، فقال له : قد وقعت فيه عندي مرتين ، وما أحبّ لك ذلك ؛ فألقه واعتذر إليه ، ولا يعلم أنّى وجهت بك ، قال : يا أمير المؤمنين ، من يستكتمنى بحضرة ألف ؟ قال : لن تخاف ، قال : على الاحتراس من الخوف . فصار إلى موسى فاعتذر كلّ واحد منهما إلى صاحبه ، وافترقا عن صلح ؛ فلقيه بعد ذلك بالجعفرى ، فقال : يا أبا عبد اللَّه ، قد اصطلحنا ، فمالك لا تأتينا ؟ قال : أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ؟ فقال موسى : ما أرانا إلا كما كنا . وقال له المتوكل : إبراهيم بن نوح النصراني واجد عليك ، قال : ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتّبع ملتهم ! قال : إن جماعة من الكتاب يلومونك ! فقال : < شعر > إذا رضيت عنّى كرام عشيرتي فلا زال غضبانا علىّ لئامها < / شعر > قال المتوكل له : أكان أبوك في البلاغة مثلك ؟ قال : لو رأى أمير المؤمنين أبى لرأى عبدا له لا يرضانى عبدا له .