معروفهم ، ولا ورمت أكياسهم إلا ورمت أنوفهم ، ولا صلحت أحوالهم ، إلا فسدت أعمالهم ، ولا فاض جاههم ، إلا غاضت مياههم ، ولا لانت برودهم ، إلا صلبت خدودهم » [1] وفي تلك المنافسات الشديدة ، وتلك الدسائس الملعونة ، التي كانت تقع بين الكتاب ، دليل على جشعهم في حب الحياة ، وفهمهم لها فهما ماديا يتناسب مع تلك العبقريات الغنية التي ظهرت في فقرهم ورسائلهم وأبحاثهم ؛ فإنه من المؤلم أن تظل قوة الحقد ويقظة الأثرة ، وشدة العداوة ، في كل عصر من السّمات الغالبة على كبار الكتاب ، ومن النادر أن تجد كاتبا كريما يعطف على زملائه ، ويحب لهم الخير ، ويتمنى لهم السّداد . وقديما أفزعت هذه الظاهرة عبد الحميد بن يحيى - وكان رجلا نبيلا - فكتب وصيته المعروفة يدعو بها الكتاب إلى التعاون ونبذ الأحقاد ، وفى أيامنا تبعث تلك الشمائل من جديد ؛ فلا نجد كاتبا في العالم العربي يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، بحيث نظن أن شبوب العبقرية يوحى بالطمع ، والاستبداد بالفضل ، والاستئثار بالجاه وأهم الخصومات التي وقعت بين كتاب ذلك العصر خصومة الهمذاني والخوارزمي ، وخصومة التوحيدي والصاحب بن عباد أما خصومة الهمذاني والخوارزمي فترجع إلى رغبة الهمذاني في الظهور ، وطمعه في الانفراد بالشهرة ، وأهم مصدر لهذه الخصومة الرسالة المطولة التي كتبها الهمذاني في وصف المناظرة التي قامت بينه وبين الخوارزمي ، وهي رسالة مغرضة مملوءة بالتحامل والصّغرنة ، وليس فيها أفكار حدية تجعل خصومة بين عقلين ، إنما هي محاورات لفظية تدل على غلبة الزخرف وتمكنه في السيطرة على عقول أهل