وحضر بشار بن برد مجلسا فقال : لا تجعلوا مجلسنا غناء كلَّه ، ولا شعرا كله ، ولا سمرا كله ، ولكن انتهبوه انتهابا . وقال الحسن رحمه اللَّه : حادثوا هذه القلوب فإنها سريعة الدّثور ، واقدعوا [1] هذه الأنفس فإنها طلعة [2] ؛ وإنكم إلَّا تزعوها [3] تنزع بكم إلى شرّ غاية . وقال أزدشير بن بابك : إن للأذهان كلالا ، وللقلوب ملالا ، ففرّقوا بين الحكمتين يكن ذلك استجماما . ويروى في حكمة آل داود : لا ينبغي للعاقل أن يخلى نفسه من أربع : عدّة لمعاده ، وصلاح لمعاشه ، وفكر يقف به على ما يصلحه من فساده ، ولذة في غير محرّم يستعين بها على الحالات الثلاث . وما أحسن ما قال أبو الفتح بن كشاجم [4] : < شعر > عجبي ممّن تناهت حاله وكفاه اللَّه ذلَّات الطلب كيف لا يقسم شطرى عمره بين حالين نعيم وأدب ؟ ساعة يمتع فيها نفسه من غذاء وشراب منتخب ودنوّ من دمى هنّ له حين يشتاق إلى اللَّعب لعب [5] فإذا ما نال من ذا حظَّه فحديث ونشيد وكتب مرة جدّ ، وأخرى راحة فإذا ما غسق الليل انتصب فقضى الدنيا نهارا حقّها وقضى للَّه ليلا ما وجب < / شعر >
[1] من القدع . بالقاف ، وهو ازجر . وفي الأصل ( افدعوا ) بالفاء وهو تحريف [2] طلعة : كثير التطلع [3] يزع - بالزاي المعجمة - يزجر ، وفي الأصل ( ترعوها ) بالراء المهملة وهو تحريف - وفي نسخة « تقدعوها » وفي أخرى « تنزعوها » بزيادة نون بين حرف المضارعة والزاي ، وفي أخرى « إلا تطيعوها » وهذه لا يصح المعنى عليها ( م ) [4] هو محمود بن محمد ، الشاعر الكاتب ، المتوفى سنة 350 . [5] الدمى : جمع دمية ، وهي الصورة توضع في المحراب لتمثل الحور العين