ودخل عمرو بن عبيد على أبى جعفر المنصور ، فقال : عظني ، فقال : يا أمير المؤمنين ؛ إنّ اللَّه أعطاك الدنيا بأسرها ، فاشتر نفسك منه ببعضها ؛ يا أمير المؤمنين ؛ إن هذا الأمر لو كان باقيا لأحد قبلك ما وصل إليك ، ألم تر كيف فعل ربّك بعاد إرم ذات العماد ! قال : فبكى المنصور حتى بلّ ثوبه . ثم قال : حاجتك يا أبا عثمان ! وكان المنصور لمّا دخل عليه طرح عليه طيلسانا ، فقال : يرفع هذا الطيلسان عنى ! فرفع ، فقال أبو جعفر : لا تدع إتياننا ! قال : نعم ، لا يضمّنى وإياك بلد إلَّا دخلت إليك ، ولا بدت لي حاجة إلَّا سألتك ، ولكن لا تعطني حتى أسألك ، ولا تدعني حتى آتيك ، قال : إذا لا تأتينا أبدا ! وقد روى مثل هذا لابن السماك مع الرشيد وقوله « لو كان هذا الأمر باقيا لأحد قبلك ما وصل إليك » كقول ابن الرومي : < شعر > لعمرك ما الدّنيا بدار إقامة إذا زال عن عين البصير غطاؤها وكيف بقاء الناس فيها وإنما ينال بأسباب الفناء بقاؤها ؟ < / شعر > ووعظ شبيب بن شبة المنصور ، فقال : يا أمير المؤمنين ؛ إن اللَّه لم يجعل فوقك أحدا ، فلا تجعل فوق شكره شكرا . ودخل عمرو بن عبيد على المنصور وعنده المهدى فقال له : هذا ابن أخيك المهدى ، ولىّ عهد المسلمين ، فقال : سميّته اسما لم يستحقّ حمله ، ويفضى إليك الأمر وأنت عنه مشغول [1] وكان عمرو بن عبيد يقول : اللهم أغنى بالافتقار إليك ، ولا تفقرنى بالاستغناء عنك . وقال له المنصور : يا أبا عثمان ؛ أعنّى بأصحابك : قال : يا أمير المؤمنين ؛ أظهر الحقّ يتبعك أهله . وقال عمر الشمرى : كان عمرو بن عبيد لا يكاد يتكلَّم ، وإن تكلَّم لم يكد
[1] كذا في المطبوعات كلها ، ولعل أصل العبارة « ويفضى إليه الأمر وأنت عنه مشغول » يريد بالأمر الذي يصل إليه الخلافة ، ولن تصل إليه إلا وقد مات أبوه ( م )