إغفال المجون وقد جرى أبو إسحاق الخصرى في زهر الآداب على إغفال المجون ، فنحده يقول عن راشد بن أرشد : « وله مذهب استفرغ فيه أكثر شعره ، وصنت الكتاب عن ذكره » . وقد صرحت بإنكار هذا المهج في « مدامع العشاق » وبينت هناك أن حرص الحصري على الأخلاق ضيّع علينا ما أعرض عنه من الآثار الأدبية ، وكنا في حاجة إلى أن نعرف كل ما ترك الأولون ! وأحب أن يعلم القارئ أن المجون لون من ألوان الغذاء التي تحيا بها العقول ، فكما أن الأجسام تحتاج في تغذيتها إلى المواد المختلفة ، والعناصر المتنوعة : من الملح ، والحلو ، والمرّ ، كذلك العقول تحتاج في تغذيتها إلى المعارف المتباينة : من جدّ القول وهزله ، وحلوه ومرّه ، ولكنّ أكثر الناس لا يفقهون ! على أن الحصري لم يخل كتابه من المجون ، بل ومن فاحش المجون ، وللقارىء أن يتتبع ما وقع من ذلك في ألفاف الكتاب ليرى كيف غلب لمؤلف على أمره ، فأباح ما لا يباح !