شئت قلت عبيد ولبيد ، وإن شئت حبيب والوليد [1] . قصيدته روضة تجتنى بالأفكار ، ونقل يتناول بالأسماع والأبصار [2] ، ونقل العلم والأدب ، ألذّ من نقل المأكل والمشرب ، وفاكهة الكلام ، أطيب من فاكهة الطعام . نظم كنظم الجمان ، وروض كالجنان ، وأمن الفؤاد ، وطيب الرّقاد . قصيدة لم أر غيرها بكرا ، استوفت أقسام الحنكة ، واستكملت أحكام الدربة [3] ؛ فعليها رونق الشباب ، ولها قوّة المذكيات الصّلاب [4] ، روح الشعر ، وتاج الدهر ، ومقدمة عساكر السحر . كل بيت شعر خير من بيت تبر . شعر يحكم له بالإعجاز والتّبريز ، ويشبّه في صفاء سبكه بالذّهب الإبريز . شعر تاتلف القلوب على درره ائتلافا ، وتصير الآذان له أصدافا . للَّه درّه ما أحلى شعره ! وأنقى درّه ، وأعلى قدره ، وأعجب أمره ! قد أخذ برقاب القوافي ، وملك رقّ المعاني ، فضله برهان حق ، وشعره لسان صدق . فلان يغرب بما يجلب ، ويبدع فيما يصنع ، حسن السبك ، محكم الرّصف ، بديع الوصف ، مرغوب في شعره ، متنافس في سحره . هو ضارب في قداح الشعر بأعلى السهام ، آخذ في عيون الفضل بأوفى الأقسام ، شعاره أشعاره ، ودابه آدابه ، هو ممن يبتده فيبتدع ، طبعه يملى عليه ، ما لا يملّ الاستماع إليه . قريحة غير قريحة ، وطبع غير طبع [5] ، وخيم غير وخيم ، لبيد عنده بليد ، وعبيد لديه من العبيد ، والفرزدق عنده أقل من فرزدقة خمير [6] ، وجرير يقاد إليه بجرير [7] قد نسج حلالا لا يبلى جدّتها الجديدان ، ولا تزداد إلا حسنا على
[1] عبيد بن الأبرص : شاعر جاهلي ولبيد بن ربيعة العامري : شاعر مخضرم ، وحبيب هو أبو تمام بن أوس الطائي ، والوليد هو أبو عبادة الوليد البحتري : شاعران من شعراء العصر العباسي ( م ) . [2] النقل : ما يتنقل به من أنواع الفواكه على الشراب [3] الحنكة : التجربة ، والدربة : التمرين [4] المذكيات والمذاكى : الخيول بلغت سن القوة [5] غير طبع : غير لئيم ، وهي من طبع السيف ، على وزن علم ، إذا ركبه الصدأ الكثير [6] الفرزدقة : القطعة من العجين [7] الجرير : الحبل .