لاشترطنا حقّ المسايرة ! فقال عبد اللَّه : بوادر الخواطر ، وأغفال المسانح ؛ واللَّه ما قلتها عن رويّة ، ولا عارضني فيها فكر ؛ وأنت أجلّ من أقال ، وأولى من صفح ، قال : صدقت ؛ خذ في غير هذا . ولما قتل المنصور ابنه محمدا - وكان عبد اللَّه في السجن - بعث برأسه إليه مع الربيع حاجبه ؛ فوضع بين يديه ، فقال : رحمك اللَّه أبا القاسم فقد كنت من « الَّذين يوفون بعهد اللَّه ولا ينقضون الميثاق ، والَّذين يصلون ما أمر اللَّه به أن يوصل ، ويخشون ربّهم ويخافون سوء الحساب » ! ثم تمثل : < شعر > فتى كان يحميه من الذلّ سيفه ويكفيه سوءات الأمور اجتنابها < / شعر > ثم التفت إلى الربيع فقال له : قل لصاحبك قد مضى من بؤسنا مدة ، ومن نعيمك مثلها ؛ والموعد اللَّه تعالى ! قال الربيع : فما رأيت المنصور قطَّ أكثر انكسارا منه حين أبلغته الرسالة [1] . أخذ العباس بن الأحنف [2] هذا المعنى ، وقيل : عمارة بن عقيل بن بلال ابن جرير [3] فقال : < شعر > فإن تلحظى حالي وحالك مرة بنظرة عين عن هوى النفس تحجب تجد كلّ يوم مرّ من بؤس عيشتى يمرّ بيوم من نعيمك يحسب < / شعر > ولما قتل المنصور محمد بن عبد اللَّه اعترضته امرأة معها صبيان ، فقالت : يا أمير المؤمنين ، أنا امرأة محمد بن عبد اللَّه ، وهذان ابناه ، أيتمهما سيفك ، وأضرعهما خوفك [4] . فناشدتك اللَّه يا أمير المؤمنين أن تصعّر لهما خدّك ،
[1] كانت وفاة عبد اللَّه بن الحسن في سجن المنصور سنة 145 . [2] العباس بن الأحنف : شاعر غزل رفيق الإحساس ، توفى سنة 192 . [3] عمارة بن عقيل : شاعر فصيح ، كان النحويون في البصرة يأخذون عنه اللغة ، توفى سنة 239 . [4] أضرعه : أذله