ذكر من لوازمه على جهة الترشيح البنيان ويحتمل القوة وعظمة الخالق وهذا المعنى البعيد الموري عنه وهو المراد فإن الله سبحانه منزه عن المعنى الأول ومنه قول يحيى بن منصور من شعراء الحماسة فلما نأت عنا العشيرة كلها * أنخنا فحالفنا السيوف على الدهر فما أسلمتنا عند يوم كريهة * ولا نحن أغضينا الجفون على وقر الشاهد في الجفون فإنها تحتمل جفون العين وهذا هو المعنى القريب الموري به وقد تقدم لازما من لوازمه على جهة الترشيح وهو الإغضاء لأنه من لوازم العين وتحتمل أن تكون جفون السيوف أي أغمادها وهذا هو المعنى البعيد الموري عنه وهو مراد الناظم ومن ألطف ما وقع في هذا القسم قول شمس الدين الحكيم بن دانيال الكحال يا سائلي عن حرفتي في الورى * وصنعتي فيهم وإفلاسي ما حال من درهم إنفاقه * يأخذه من أعين الناس الشاهد هنا في أعين الناس فإنها تحتمل الحسد وضيق العين وهو المعنى القريب الموري به وقد تقدم لازمه على جهة الترشيح وهو درهم الإنفاق لأنه من لوازم الحسد ويحتمل العيون التي يلاطفها بالكحل وهذا هو المعنى الموري عنه وهو مراد الناظم الكاحل انتهى القسم الأول من التورية المرشحة والقسم الثاني منها هو ما ذكر لازمه بعد لفظ التورية ومن أمثلته اللطيفة قول الشاعر مذ همت من وجدي في خالها * ولم أصل منه إلى اللثم قالت قفوا واستمعوا ما جرى * خالي قد هام به عمي الشاهد في الخال فإنه يحتمل خال النسب وهذا هو المعنى القريب الموري به وقد ذكر لازمه بعد لفظ التورية على جهة الترشيح وهو العم ومنه قول الشاعر أقلعت عن رشف الطلا * واللثم في ثغر الحبب وقلت هذي راحة * تسوق للقلب التعب الشاهد هنا في الراحة التي هي ضد التعب وقد ذكر التعب بعدها على جهة الترشيح لها وهذا هو المعنى القريب الموري به ويحتمل الراحة التي هي من أسماء الخمر وهذا هو المعنى البعيد الموري عنه وهو مراد الناظم النوع الثالث التورية المبينة وهي ما ذكر فيها لازم الموري عنه قبل لفظ التورية أو بعده فهي بهذا الاعتبار أيضا قسمان فالقسم الأول هو ما ذكر لازمه من قبل واستشهدوا عليه بقول البحتري ووراء تسدية الوشاح ملية * بالحسن تملح في القلوب وتعذب الشاهد هنا في تملح فإنه يحتمل أن يكون من الملوحة التي هي ضد العذوبة وهذا هو المعنى القريب الموري به ويحتمل أن يكون من الملاحة التي هي عبارة عن الحسن وهذا هو المعنى البعيد الموري عنه وهو مراد الناظم وقد تقدم من لوازمه على جهة التبيين ملية بالحسن قلت هذا الشاهد الذي استشهدوا به من نظم البحتري فيه نظر ولكن يأتي الكلام عليه في موضعه ومن أحسن الشواهد على هذا القسم قول الشيخ شرف الدين ابن عبد العزيز شيخ شيوخ حماة رحمه الله تعالى قالوا أما في جلق نزهة * تنسيك من أنت به مغرى يا عاذلي دونك من لحظه * سهما ومن عارضه سطرا الشاهد هنا في موضعين وهما السهم وسطرا فإن المعنى البعيد هما الموضعان المشهوران بمنتزهات دمشق وذكر النزهة بجلق قبلهما هو المبين لهما وأما المعنى القريب فسهم اللحظ وسطر العارض القسم الثاني من التورية المبينة هو الذي يذكر فيه لازم الموري عنه بعد لفظ التورية ومن أمثلته البديعة قول الشاعر أرى ذنب السرحان في الأفق ساطعا * فهل ممكن أن الغزالة تطلع الشاهد هنا في موضعين أحدهما ذنب السرحان فإنه يحتمل أول ضوء الفجر وهذا هو المعنى البعيد الموري عنه وهو مراد الناظم وقد بينه بذكر لازمه بعده بقوله ساطعا ويحتمل ذنب الحيوان المعروف وهذا هو المعنى القريب الموري به واستشهدوا على هذا القسم بقول ابن سناء الملك وهو أما والله لولا خوف سخطك * لها علي ما ألقى برهطك ملكت الخافقين فتهت عجبا * وليس هما سوى قلبي وقرطك الشاهد هنا في الخافقين فإنه يحتمل أن يريد قلبه وقرط محبوبه وهذا هو المعنى البعيد الموري عنه وهو مراد الناظم وقد بينه بالنص عليه فإنه صرح بعد الخافقين بذكر القلب والقرط ويحتمل أن يريد ملك المشرق والمغرب وهذا هو المعنى القريب الموري به النوع الرابع التورية المهيأة وهي التي لا تقع فيها التورية ولا تتهيأ إلا باللفظ الذي قبلها أو باللفظ الذي بعدها أو تكون التورية في لفظين لولا كل منهما لما تهيأت في الآخر فالمهيأة بهذا