قال ابن قتيبة : العرم والعرق شيء واحد فلو لا أن العرق لحم ؛ لم يقل : شممت ريحه لأن العظام ليس الغالب عليها أن تشم لها روائح إذا خلت من اللحم . وقول الشاعر : تبري اللحم عن عراقها ، العراق : الأكل ، من قولهم : عرقت العظم عراقا إذا أكلت ما عليه من اللحم ، والعظم معروق . وتلخيص البيت : تبري من شدة أكلها العظم ، كما يقال : اشتكى من دواء شربه وعن دواء . والعراق في المصادر بمنزلة قولهم : سكت سكاتا وصمت صماتا وصرخ صراخا . والعرق بمنزلة العراق ، مصدر لعرقت ، ولا يجوز أن يكون واحد العراق على ما ذكر ابن قتيبة ، لأنه لم يؤثر عن العرب فعال في جمع فعل ، وقال الشاعر : < شعر > إذا استهديت من لحم فأهدي * من المأنات أو فدر السنام ولا تهدي الأمرّ وما يليه * ولا تهدنّ معروق العظام < / شعر > المأنات : الطفطفة التي بين الضرع والسرة ، والأمر : المصارين . ويقال : قد تعرّق العرق إذا أكل اللحم من على العظم ، من ذلك حديث جابر أنه قال : « رأيت أبا بكر أكل خبزا ولحما ثم أخذ العرق فتعرّقه وقام إلى الصلاة ، فقال له مولى له : ألا تتوضأ ؟ فقال : أتوضأ من الطيبات » [1] . وحديث النبي صلَّى اللَّه عليه وسلم : « أنه أكل عند فاطمة - رحمها اللَّه - عرقا ، ثم جاء بلال فأذنه بالصلاة فوثبت فتعلقت بثوبه وقالت ألا تتوضأ يا أبه ؟ قال : ومم أتوضأ يا بنية ؟ قالت : مما مست النار ، قال : أو ليس من أطهر طعامكم ما مسّت النار » [2] يدل على أنّ العرق اللحم . وقولهم : قد قبل هذا الكلام قلبي قال أبو بكر : قال اللغويون : إنما سمي القلب قلبا لتقلبه وكثرة تغيره ، وأصله من قلبت الشيء أقلبه قلبا . والعرب تكني بالقلب عن العقل ، فيقولون : قد دل قلبه على الشيء ، يريدون : دله عقله . قال اللَّه تعالى : * ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَه قَلْبٌ ) * [3] . أراد :
[1] لم أقف على الحديث . [2] ينظر : النهاية 3 / 220 . [3] ق 37 .