responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الأزمنة والأمكنة نویسنده : أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الأصفهاني    جلد : 1  صفحه : 9


و هذا في قضايا الأوقات كما اقتصّ الجاحظ من تعصّبه لمصره ، فقال : من فضلة البصرة ما خصّت به من أرض الصّدقة إنه لا يسوغ تغيّرها ولا يتهيّأ تبديلها ، ومن المد والجزر المبخر خصوصا لأهلها المجمول نوما بين قاطنها ومسافرها ، ومصعدها ، ومنحدرها على مقابلات من الأوقات ومقادير من السّاعات ، وعلى منازل القمر في زيادة النّور وامتلائه ، ونقصان ضوئه واستسراره ، فلا يعرف مصر جاهلي ، ولا إسلامي أفضل من البصرة ، ولا أرض جرى عليها الآثار أشرف من أرض الصّدقة ، ولا شجرة أفضل من النّخلة ولا بلد أقرب برا من البصرة ، فهي واسطة أبجر ، وخضراء من بداو ، وريعاء من فلاة ، وقانص وحش من صائد سمك ، وملاحا من جمال من البصرة .
فهي وسطة الأرض وفرضة البحر ومضبض الأقطار ، وقلب الدّنيا فساحله بعض المتقضية للغيث ، وبلاده بأن قال : الكرمة أفضل الأشجار ، والعنب سيّد الثمار ، ناعمة الورق كأنّها سرقة ناضرة الخضرة بديعة الشكل ، سلسة الأفنان ، رقيقة الجلد عند المذاق يسرح في البدن نورها ، وفي القلب سرورها ، مع ذكاء العرق وصحّة الجوهر إن عرشت على عمد الخشب ، وطبقات القصب تضاعف علتها ، وتكامل حسنها ودخلها ورأفة جهارتها وأنق ينعها ، وإن بسطت أغصانها على الدّار التي هي فيها أظلَّت وإن مدّت على الجدران وقيدت إلى حدود الجيران سامحت قائدها وقلّ اعتياضها تغني عن الشارات والفساطيط ، وتكفّ صيد الحر في حمارة القيظ ، واحتدام الشمس أوان الحاجة إلى الرّوح وترّد عواصف الرّياح وقواصفها ، بكثافة ورقها ، وضفاقة ظلَّها في كلام يتّصل بين الفريقين ولا ينقضي .
و ليس من همتي ولا سدمي إنما أردت التّنبيه على أنّ كلّ ذي أرب همّته في نظرية بلدته طبعا لا تكلفا وكل ذي سبب نهمته في تزكية ممكنة عمدا لا سهوا ، ثم حسن الشّيء وقبحه وفضله ونقصه لما عليه في نفسه لا لجوى راصد أو ألف جاذب . والحديث شجون ، والفخر بالشيء فنون ، لكنّ اللَّه تعالى لمّا ذكر الدّيار فخبر عن موقعها من عباده حتّى سوّى بين قتل نفسهم والخروج من ديارهم في قوله تعالى : * ( ولَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) * [ سورة النساء : 66 ] وفي موضع آخر : * ( وما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ الله وقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وأَبْنائِنا ) * [ سورة البقرة : 24 ] جعل لهم في الأرض بيتا نسبه إلى نفسه بإزاء البيت المعمور لملائكته ، وصيّره حرما وأمنا ، ومثابة للناس ، ومطافا يلوذ به الخائف ولو كان من الوحش .
كما يأوي إليه الهارب من الأنس عظيما شأنه منيعا جاره لا يغشى أهله غضاضة الامتهان ، ولا سأمة الابتذال ، فهم على مر الأيام وكلة وحمس في أديانهم متمنعة ، وقد كان من الفيل والحبشة ما أرّخ به الزّمن كما أرّخت الحوادث والنّحل ، وكما قيدت أيام النّبوات

9

نام کتاب : الأزمنة والأمكنة نویسنده : أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الأصفهاني    جلد : 1  صفحه : 9
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست