أي هل تعتد بهذا الخبر فتذكره به ، فأما قوله تعالى : * ( قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَه أَوِ انْقُصْ مِنْه قَلِيلًا ) * [ سورة المزمل ، الآية : 2 ] أي من النّصف ، أو زد عليه ، فانتصاب اللَّيل إلَّا قليلا أي قبله بقليل أو بعده بقليل لأنّ بيان أو انقص منه ، أو زد عليه ذلك ، والمعنى قم نصف اللَّيل ، أو انقص من نصفه حتى يرجع إلى الثلَّث ، أو زد على نصفه حتى يبلغ الثلَّثين ، وفي هذه الأشياء منها أنّه جعل نصف اللَّيل قليلا منه سواء جعلته بيانا للقليل المستثنى ، أو جعلته بيانا للباقي الواجب لأنّ الكلام يقوم على الوجهين جميعا ومنها أنّ قوله : أو انقص منه قليلا بمعنى إلَّا قليلا في التّحصيل ولكنّه ذكر مع الزيّادة ، وكان كالمكرّر ، وكثير من أهل النّظر يذهبون إلى أنّ القلة تقع على ما دون الثلَّث لقوله عليه السلَّام لسعد في الوصيّة : « و الثلَّث كثير » ومنها أنّ هذا التنّويع يدل على أنّه تعالى لم يفرضها عليه لكنّه على سبيل الترّغيب لأنّ الفرائض التي يفرضها اللَّه على عباده ليس يجعل الأمر فيها إليهم فينقصوا ما شاؤوا ، ويزيدوا فيها ما شاؤوا ، وقد قيل : إنّ اللَّه تعالى كان فرض على رسوله وعلى المؤمنين قيام اللَّيل ، ثم نسخه إذ كان شقّ عليهم فقال تعالى : * ( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ ونِصْفَه وثُلُثَه وطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ والله يُقَدِّرُ اللَّيْلَ والنَّهارَ ) * [ سورة المزمل ، الآية : 20 ] أي يعلم مواقيتها ويعلم أنكم لن تحصوه أي لن تطيقوا معرفة حقائق ذاك والقيام فيه ، فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسّر من القرآن ، قالوا : وهذا في صدر الإسلام ، ثم نسخ بالمكتوبات الخمس . و قوله تعالى : * ( أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ ) * يجوز أن يكون من دنا الشّيء إذا سفل ، فنزل كما قال : * ( ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى ) * أي نزل ، ومنه قوله تعالى : * ( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ) * [ سورة الأحزاب ، الآية : 59 ] أي يرسلن ، وقال بعضهم : معنى أدنى أدون ، لكنّه قلب فقدّم اللَّام وقوله تعالى : * ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ) * [ سورة المزمل ، الآية : 5 ] يجوز أن يكون المعنى قولا يثقل العمل به ، ويجوز أن يريد به قولا له وزن ، وخطر بين الكلام إذا ميّز أي ليس بالسّفّساف الدّون ، ومعنى يلقي ينزل فيتلقنه . ومنه قولهم : ألقيت على فلان مسألة كذا ، فأعييته . وقوله تعالى : * ( ولَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِه ) * [ سورة السجدة ، الآية : 23 ] فبعضهم يجعله من هذا أي لا تلك في شك من نزول هذا الكتاب قبلك ، وكان شيخنا أبو علي ينكر أن يكون القيت من لقيت ، ويقول : إن لقي يتعدّى إلى مفعول واحد يقول : لقيت زيدا فلو كان ألقيت من لقيت لوجب أن يتعدّى إلى مفعولين . كما أنه إذا دخل على ما لا يتعدى إلى المفعول عداه إلى واحد يقول : خرج زيد وأخرجته وذهب زيد ، وأذهبته . و تقول في المتعدي : قرأ كذا وأقرأته أنا كذا ، وسمع زيد شرا ، وأسمعته أنا خيرا . وإذا كان كذلك ، ووجدنا لقى يتعدّى إلى مفعول واحد ، وألقيت مثله يتعدّى إلى مفعول واحد