الأيمان الظاهر الذي تجري عليه الأحكام في الدنيا لا يستلزم الأيمان في الباطن ، وإن المنافقين الذين قالوا : { آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين } [1] هم في الظاهر مؤمنون ، يصلون مع المسلمين ، ويناكحونهم ، ويوارثونهم - كما كان المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم فيهم بحكم الكفار المظهرين الكفر ، لا في مناكحتهم ولا في موارثتهم ، ولا نحو ذلك . بل ، لما مات عبد الله بن أبي - وهو من أشهر الناس في النفاق - ورثه عبد الله ابنه - وهو من خيار المؤمنين - وكذلك سائر من يموت منهم ، يرثه ورثته المؤمنون ، وإذا مات لهم وارث ورثوه مع المسلمين ، وإن علم أنه منافق في الباطن . وكذلك كانوا في الحدود والحقوق كسائر المسلمين ، وكانوا يغزون مع النبي صلى الله عليه وسلم . ومنهم من هم بقتل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، ومع هذا ففي الظاهر تجري عليهم أحكام أهل الإيمان . إلى أن قال : ودماؤهم وأموالهم معصومة ، لا يستحل منهم ما يستحل من الكفار ، والذين يظهرون أنهم مؤمنون ، بل يظهرون الكفر دون الأيمان . فإنه صلى الله عليه وسلم قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، فإذا قالوها عصموا مني دمائهم ، وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله . ولما قال لأسامة : أقتلته - بعد أن قال : ( لا إله إلا الله ) ؟ - قال : فقلت : إنما قالها تعوذا . قال : هل شققت عن قلبه ؟