فقد ظهر من هذا أن استغاثة المستغيثين به صلى الله عليه وسلم تجئ على معنيين : أحدهما أن يسأل المستغيث الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بجاهه أو بحقه أو ببركته أن يقضي حاجته ، فالمستغيث على هذا هو الذي يدعو الله تعالى ويجعل واسطة القبول عنده عز وجل نبيه الأعظم وحبيبه الأكرم صلى الله عليه وسلم . والمعنى الثاني أن يسأل المستغيث النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو الله تعالى وليسأله قضاء حاجته لأنه حي في قبره كما يسأله الناس الشفاعة يوم القيامة فيشفع لهم ، وكما سأله الناس في حياته الدنيوية الدعاء بالاستسقاء وغيره فدعا لهم بالسقيا وغيرها فاستجاب الله له ، وجميع الاستغاثات الواقعة في كتابي هذا لا تخلو عن هذين المعنيين ، ورأيت في كتاب [ جمع الأسرار : في منع الأشرار ، عن الطعن في الصوفية الأخيار ] لسيدي العارف بالله الشيخ عبد الغني النابلسي رضي الله عنه ما نصه : وسئل العلامة الشهاب الرملي الشافعي رحمه الله تعالى عما يقع من العامة من قولهم عند الشدائد . يا شيخ فلان ونحو ذلك . فأجاب بأن الاستغاثة بالأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام والأولياء والعلماء والصالحين جائزة . قال الشيخ عبد الغني . يقول مصنف هذه الرسالة يشير إليه . يعني جواز التوسل والاستغاثة قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ) . قال الشيخ الرملي . وللرسل والأنبياء إغاثة بعد موتهم ، لأن معجزة الأنبياء وكرامة الأولياء لا تنقطع بعد موتهم . أما الأنبياء فإنهم أحياء في قبورهم يصلون ويحجون كما وردت به الأخبار ، فتكون الإغاثة منهم معجزة لهم ، والشهداء أيضا أحياء شوهدوا نهارا جهارا يقاتلون الكفار . وأما الأولياء فهي كرامة لهم انتهى كلام الرملي وقد ذكر الشيخ عبد الغني بعدها فتوى من العلامة الإمام الشيخ عبد الحي الشرنبلالي الحنفي من جملتها قوله رحمه الله تعالى : وأما التوسل بالأنبياء والأولياء فجائز ، إذ لا يشك في مسلم أنه يعتقد في سيدي أحمد أو غيره من الأولياء أن له إيجاد شئ من قضاء مصلحة أو غيرها إلا بإرادة الله تعالى وقدرته ، والمسلم متى أمكن حمل كلامه على معنى صحيح سالم من التكفير وجب المصير إليه ا ه كلام الشرنبلالي ، ثم نقل الشيخ عبد الغني رضي الله عنه فتوى الشيخ سليمان الشبرخيتي المالكي بذلك وأتبعها بفتوى الشمس الشوبري الشافعي التي قدمتها في أواخر الباب الأول من هذا الكتاب ، وقال بعدها : وهذه صورة ما أجاب به الإمام الهمام الشيخ محمد الخليلي الشافعي ، وذكر فتواه بطولها إلى أن قال الخليلي رحمه