فساد ترك إظهار الإيمان والصلوات أعظم من الفساد في إظهار ذلك رياء ، ولأن الإنكار إنما يقع على الفساد في إظهار ذلك رئاء الناس . ( الثاني ) : لأن الإنكار إنما يقع على ما أنكرته الشريعة ، وقد قال رسول الله ( ص ) : « إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ، ولا أن أشق بطونهم » [1] ، وقد قال عمر بن الخطاب : من أظهر لنا خيراً أحببناه ، وواليناه عليه وإن كانت سريرته بخلاف ذلك ، ومن أظهر لنا شراً أبغضناه عليه ، وإن زعم أن سريرته صالحة . ( الثالث ) : إن تسويغ مثل هذا يفضي إلى أن أهل الشرك والفساد ينكرون على أهل الخير والدين إذا رأوا من يظهر أمراً مشروعاً مسنوناً ، قالوا : هذا مراء ، فيترك أهل الصدق والإخلاص إظهار الأمور المشروعة ، حذراً من لمزهم وذمهم ، فيتعطل الخير ، ويبقى لأهل الشرك شوكة يظهرون الشر ، ولا أحد ينكر عليهم ، وهذا من أعظم المفاسد . ( الرابع ) : إن مثل هذا من شعائر المنافقين ، وهو يطعن على من يظهر الأعمال المشروعة ، قال الله تعالى : { الَّذِينَ يَلمِزُونَ المُطَّوعِينَ مِنَ المُؤمِنِينَ في الصَّدَقَاتِ والَّذِينَ لا يَجِدُونَ إلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُم سَخِرَ اللهُ مِنْهُم وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ } [2] . فإن النبي ( ص ) لما حض على الإنفاق عام تبوك جاء بعض الصحابة بصرة كادت يده تعجز من حملها ، فقالوا : هذا مراء ،
[1] رواه البخاري في ( المغازي ، باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد لليمن ، رقم 4351 ) ، ومسلم في ( الزكاة ، باب ذكر الخوارج وصفاتهم ، رقم 1064 ) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه . [2] التوبة : 79 .