وفي « الصحيح » عن النبي ( ص ) ؛ قال : « قد كان في الأمم قبلكم محدثون ، فإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر » [1] ، والمحدث : هو الملهم المخاطب في سره ، وما قال عمر لشيء : إني لأظنه كذا وكذا ؛ إلا كان كما ظن ، وكانوا يرون أن السكينة تنطق على قلبه ولسانه . وأيضاً ؛ فإذا كانت الأمور الكونية قد تنكشف للعبد المؤمن لقوة إيمانه يقيناً وظناً ؛ فالأمور الدينية كشفها له أيسر بطريق الأولى ؛ فإنه إلى كشفها أحوج ، فالمؤمن تقع في قلبه أدلة على الأشياء لا يمكنه التعبير عنها في الغالب ، فإن كل أحد لا يمكنه إبانة المعاني القائمة بقلبه ، فإذا تكلم الكاذب بين يدي الصادق عرف كذبه من فحوى كلامه ، فتدخل عليه نخوة الحياء الإيماني فتمنعه البيان ، ولكن هو في نفسه قد أخذ حذره منه ، وربما لوح أو صرح به خوفاً من الله وشفقةً على خلق الله ليحذروا من روايته أو العمل به . وكثير من أهل الإيمان والكشف يلقي الله في قلبه أن هذا الطعام حرام ، وأن هذا الرجل كافر أو فاسق أو ديوث أو لوطي أو خمار أو مغن أو كاذب من غير دليل ظاهر ، بل بما يلقي الله في قلبه . وكذلك بالعكس ، يلقي في قلبه محبة لشخص ، وأنه من أولياء الله ، وأن هذا الرجل صالح ، وهذا الطعام حلال ، وهذا القول صدق ؛ فهذا وأمثاله لا يجوز أن يُستبعد في حقِّ أولياء الله المؤمنين المتقين .
[1] رواه البخاري في ( أحاديث الأنبياء ، باب حديث الغار ، 3469 ، وفي المناقب ، باب مناقب عمر بن الخطاب ، 3689 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، ومسلم في ( فضائل الصحابة ، باب من فضائل عمر ، رقم 2398 ) من حديث عائشة رضي الله عنها .