فإنه من المعلوم لدى الخبراء بتقاليد أولئك المبطلين ، أنهم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد على الوجه المذكور ، وذلك بجعل ما برز من أثر القبر قبلة : وما دار حوله من الأرض مصلي ، ولذلك قالت أم المؤمنين عائشة : ولولا ذلك لأبرز قبره ، غير إنه خشي أن يتخذ مسجدا [119] . فلو كان اتخاذه مسجدا على معنى إيقاع الصلاة عنده - وإن كان التوجه بها إلى الكعبة - لما كان الإبراز سببا لحصول الخشية ، فإن الصلاة - كذلك - غير موقوفة على أن يكون للقبر أثر بارز ، وإنما الذي يتوقف على بروز الأثر هو : الصلاة إليه نفسه . انتهى . ثم استشهد بكلام النووي في شرح صحيح مسلم ، قال : " قال العلماء : إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجدا خوفا من الافتتان به ، فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية ، ولما احتاجت الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثر المسلمون ، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ، ومنها حجرة عائشة - رضي الله عنها - بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله ، لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي إلى المحذور . ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا ، حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر ، ولهذا قال في الحديث : ( ولولا
[119] مسند أحمد 6 / 80 ، صحيح مسلم 1 / 376 ح 529 .