نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 97
يمسي بعافية ثم يصبح فيرى البيت اللب ، ذاهل العقل ، أن أباه جرد من الحول والطول ، وألقي به في غياهب الاعتقال . دعوا جانبا ما حدثتكم به في المحاضرة الماضية من أن شهرة المتنبي هي التي أطعمت هذا الفتى في الشعر وأنطقته به وسنّه فوق العشر بقليل ، فأصدق الرأي أيها السادة ، أن هذه النكبة هي التي خلقت ذلك الشاعر في يوم واحد رجلا ينظر إلى الدنيا بعين الكهول وهو في سن الأطفال . إن من العسير أن تتصوروا النبوغ الشعري في طفل عرير ، لأنكم تعيشون في أزمان لا تعرف الشقاء ، أزمان يكون فيها من النبوغ أن يحفظ الطفل قصيدة وهو ابن عشر سنين ، ولكن يسهل عليكم تخيّل ذلك حين تتذكرون كيف كان حال الشريف الرضي حين نقل أبوه منفيا إلى فارس ، حين تتصورون كيف أمسى ذلك الطفل فقيرا ذليلا بعد الغنى والعزة ، حتى صح لبعض أساتذته أن يهبه دارا يسكنها . وما أظلم الأيام التي تحوج طفلا مثل الشريف إلى قبول هذه الهدية بعد تمنّع وإباء . تصوروا حال الشريف وهو يحاور أستاذه فيقول : برّ أبي فكيف أقبل برك فيجيب الأستاذ وهو يتوسل إليه : إن حقي عليك أعظم من حق أبيك أي واللَّه إن حق الأستاذ أعظم من حق الوالد ، ولكن القسوة هي في تلك الحال ، حال الطفل الذي تروضه الأيام على أن يلقى أساتذته وهو غنيّ الرأس ، فقير الجيب كانت هذه الحادثة مشئومة على الشريف الرضي وإن أحسنت في إيقاظ ما غفا من مشاعر ذلك الطفل النبيل . كانت مشئومة لأنها سدت عليه منافذ القول في هجاء عضد الدولة
97
نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 97