نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 80
كان ملك الجماهير في زمانه ملكا قويا ، وكان تفرّد بأفانين من الشعر عجز عنها معاصروه ، فلما مات سلموا له بالأمارة الشعرية ، وعادوا إلى شؤونهم ساكتين . ولم يكن الحال كذلك بعد موت المتنبي ، فقد كان على جهارة صوته وجلجلة شعره يحدّث الناس بما يألفون ، وكانت له بدوات لفظية ومعنوية تؤلب الناس عليه ، وتهيج النحويين واللغويين ، فلما مات بقيت الفرصة للجدل والشغب والضجيج ، وانقسم الناس حول شعره إلى فريقين : عدوّ وصديق ، وكذلك ظل يثير الهيجاء وهو هامد بين الصفائح والتراب ، ولو تسمّع الناس صوت رفاته البالي لرأوه يقول : أنام ملء جفوني عن شواردها * ويسهر الخلق جرّاها ويختصم ومن المؤكد أن الشريف شهد الخصومة حول شعر المتنبي وهو طفل ومن المؤكد أيضا أن عظمة المتنبي احتلت أقطار نهاه ، ولعلها كانت السبب في أن ينظم الشريف أجود الشعر وهو ابن عشر سنين ، فليس من المستبعد أن يكون في أساتذة الشريف من لقّنه الحقد على المتنبي ، ثم ظل هذا الحقد عقيدة أدبية يساورها وتساوره طول الحياة . وأقف عند الغرض الأصيل فأقول : إن الشريف كان يعجب لانصراف الناس عن شعره وإقبالهم على شعر المتنبي ، وقد انقلب هذا العجب إلى حقد : لأنه كان يرى نفسه أشعر من المتنبي ، وكان يفهم جيدا أن الناس لو خلصت ضمائرهم من أوضار العصبيات الدينية والسياسية والأدبية لفضلوه على المتنبي ، ولكنهم لن يخلصوا ولن يسعفوا الشريف بما يريد . ولم يكن المتنبي هو الشاعر الوحيد الذي يحتل أذهان أهل بغداد من
80
نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 80