نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 49
فالشريف الرضي كان يرى الدنيا بعين الرجل المثقف ، المثقف الشريف لا المثقف الصّعلوك ، وكانت أحاسيسه في دنياه لا تقدّر بالأوهام ، وإنما كان ينصب لها دقيق الموازين ، ويسعى في تحقيقها سعي الفحول . كان الشريف في حرب شعواء بين القلب والعقل ، وكان يطمح في أن يجمع لنفسه جميع أقطار المجد ، فيكون من أئمة الفقهاء ، وأقطاب الشعراء ، وأعيان الخلفاء . وقد ضاعت أمانيه ضياع الزهر في الوادي الجديب ، ولم يبق منها الإمامة في الشعر والبيان . . . . أيها السادة : قد تقولون : وأين الشواهد على بصره بالمذاهب اللغوية والأدبية إن قلتم ذلك فنحن نحدثكم عن فهمه لأصول الكلام البليغ ، وحجتنا في ذلك ما وصف به شعره وما تحدث به عن البلاغة وهو يتحدث عن اللغويين والشعراء . وأول ما ننص عليه : إحساس الشريف بالصلة بين المعاني وبين الأوزان ، يدل على ذلك ما جاء في ص 945 من الديوان ، فقد أرسل إليه أبو إسحاق الصابي قصيدة مدح نثبت منها هذا المطلع : أبا كلّ شيء قيل في وصفه حسن * إلى ذاك ينحو من كناك أبا الحسن قال جامع الديوان : « فأجابه عن هذه القصيدة وجعل الجواب على رويّها دون وزنها ، لأن ذلك الوزن المقيد لا يجيء في الكلام إلا مقلقلا ولا النظم إلا مختلَّا » . فالشريف كان يشعر بالصلة بين الوزن وبين المعنى ، وهذا الاتجاه كان
49
نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 49