نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 48
ونحن بهذه الاحكام لا نتعصب لشاعر أحببناه ، وإنما نطوف حول نفس روحانية لم يعرف نظيرها العلم ، ولم يشهد مثيلها الخيال . نطوف حول نفس مظلومة مهيضة كافحت في الحياة أصدق كفاح ، وناضلت في سبيل المجد أشرف نضال . لقد كان الناس ني عهد الشريف يتفقهون ليعيشوا ، اما هو فكان يتفقه ليسود . كان الشعراء في عهد الشريف ينظمون الشعر ليحظوا بأعطيات الخلفاء ، أما هو فكان ينظم الشعر ليزلزل الرواسي من عروش الخلفاء . كان الشعراء يتغزلون لاهين لاعبين ، أما الشريف فكان له في كل أرض صبابة ، وكان له في كل بقعة غرام ما حق مبيد . وكان ذلك مزاجا بين طغيان العقل وعدوان القلب ، كان مزاجا بين العقل المثقف والقلب الحساس . وجملة القول ان الرضي لم يكن من طراز شعراء الجاهلية ، الشعراء العوام الذين لم يعرفوا غير ما كان يعرف سكان البيداء ، ولم يكن من طراز شعراء العصر الأموي الذين وقفوا عند المعارف الجاهلية بعد أن أنارتها بعض المعارف الدينية ، ولم يكن من طراز الشعراء الذين شهدوا صباح العصر العباسي ، أولئك الشعراء الذين وقفوا عند عربدة الكؤوس الكؤوس ، ولم يعرفوا الخلفاء إلا في طلب الرزق الحرام أو الحلال ، وإنما كان شاعرا مثقفا يدرك تمام الادراك كيف تصطرع العقول والمذاهب والأهواء ، ويفهم أن الدنيا في عصره نهب مقسّم بين الديلم وأحفاد بني العباس ، ويتمنى لو أقام على شواطئ دجلة حاضرة تساوي الحاضرة التي أقامها الفاطميون على شواطئ النيل .
48
نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 48