نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 42
في الحياة وبعد الممات ، ولو لا التحامل على المتنبي لما وجد له أنصار يرفعون اسمه فوق الأسماء . وقد حرم الشريف الرضي أسباب الشهرة من هذه الناحية ، فقد حمله التجمل والتعفف على هجر أبواب الملوك والوزراء ، فلم يكن يمدح حين يمدح إلا عن حب أو مداراة ، ولم يره أحد يزاحم الشعراء والأدباء على أبواب السلاطين فكان من أثر ذلك أن قلّ حاسدوه والحاقدون عليه ، فلم يشق في ثلبه قلم ولا لسان ، ولم يكن الأدب في تلك العصور يعرف الحياة إلا بفضل المماراة والضجيج . أفلا ترون معي أيها السادة ، أن الأدب كان حظه حظ التاريخ لا لا يرفع فيه علم إلا بفضل الدماء لقد ولي مصر في العهد الاسلامي كثير من المتحكمين ، وكان كافور أقربهم إلى الأذهان لأنه أزال الغشاوة عن أماني المتنبي ، وتولى الوزارة في بغداد كثير من الرجال ، وكان أقربهم إلى الأذهان أقطاب البرامكة لان سلطانهم ختم بالفجائع . فيا ليت شعري متى يجيء العهد الذهبي الذي تسمو فيه الآراء بفضل ما فيها من قوة الصدق ، لا بفضل من يحرسها من الجنود . ان هذه البلية لا تزال تسيطر على العقول والأذواق ، ففي عصرنا الحاضر نجد لأهل الأدب وسائل وأساليب لا تعرف المنطق ولا العدل ، وتلك الوسائل والأساليب ستصنع في الأدب الحديث أمثال ما صنعت الأساليب القديمة في الأدب القديم ، وقد شكا النقاد في فرنسا هذه البلية ،
42
نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 42